للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الغضب دافع عنه ما يؤذيه، فلا ينبغي ذم الهوى مطلقاً ولا مدحه مطلقاً، كما أن الغضب لا يذم مطلقاً ولا يحمد مطلقاً، وإنما يذم المفرط من النوعين، وهو ما زاد على جلب المنافع ودفع المضار، ولما كان الغالب من مطيع هواه وشهوته وغضبه أنه لا يقف فيه على حد المنتفع به أطلق ذم الهوى والشهوة والغضب لعموم غلبة الضرر، لأنه يندر من يقصد العدل في ذلك ويقف عنده، كما أنه يندر في الأمزجة المزاج المعتدل من كل وجه، بل لا بد من غلبة أحد الأخلاط والكيفيات عليه، فحرص الناصح على تعديل قوى الشهوة والغضب من كل وجه، وهذا أمر يتعذر وجوده إلا في حق أفراد من العالم، فلذلك لم يذكر الله تعالى الهوى في كتابه إلا ذمه، وكذلك في السنة لم يجئ إلا مذموماً، إلا ما جاء منه مقيداً كقوله: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به). وقد قيل: الهوى كمين لا يُؤمن. قال الشعبي: وسمي هوى لأنه يهوي بصاحبه، ومطلقه يدعو إلى اللذة الحاضرة من غير فكر في العاقبة، ويحث على نيل الشهوات عاجلاً، وإن كانت سبباً لأعظم الآلام عاجلاً وآجلاً، فللدنيا عاقبة قبل عاقبة الآخرة، والهوى يعمي صاحبه من ملاحظتها، والمروءة والدين والعقل ينهى عن لذة تعقب ألماً، وشهوة تورث ندماً، فكل منهما يقول للنفس إذا أرادت ذلك لا تفعلي، والطاعة لمن غلب، ألا ترى أن الطفل يؤثر ما يهوى وإن أدى به إلى التلف لضعف ناهي العقل عنده، ومن لا دين له يؤثر ما يهواه وإن أدى إلى هلاكه في الآخرة لضعف ناهي الدين، ومن لا مروءة له يؤثر ما يهواه، وإن ثلم

<<  <  ج: ص:  >  >>