فأقول: إذا جردتم (الاستيلاء) من معنى المغالبة؛ فقد أبطلتم تأويلكم من أصله؛ لأن الاستيلاء يلازمه المغالبة عادة كما تدل عليه البيت المشار إليه، فإذا كان لا بد من التجريد تمسكاً بالتنزيه؛ فهلا قلتم كما قال السلف:(استوى: استعلى)؛ ثم جردتم الاستعلاء من كل ما لا يليق بالله تعالى؛ كالمكان، والاستقرار، ونحو ذلك، لا سيما وذلك غير لازم من الاستعلاء حتى في المخلوق؛ السماء فوق الأرض ومستعلية عليها، ومع ذلك فهي غير مستقرة عليها، ولا هي بحاجة إليها، فالله تعالى أولى بأن لا يلزم من استعلائه على المخلوقات كلها استقراره عليها، أو حاجته إليها سبحانه، وهو الغني عن العالمين.
ومن مثل هذا؛ يتبين للقارئ اللبيب أن مذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم، وليس العكس؛ خلافاً لما اشتهر عند المتأخرين من علماء الكلام.
(٤) قال العلامة ابن باز -رحمه الله- في تعليقه على "التنبيهات اللطيفة على ما احتوت عليه العقيدة الواسطية من المباحث المنيفة"(ص: ٤٣): إثبات علو الله على خلقه واستوائه على عرشه، وإقرار العقول بذلك أمر فطري فطر الله العباد عليه، وأما الاستواء فأثبته السمع من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وليس في العقول ما يخالف ذلك.
وحقيقته لغة: الارتفاع مع العلو وأما عن الكيفية فذلك مما اختص الله بعلمه، وأما تفسير الاستواء بالاستيلاء فهو باطل من وجوه كثيرة، منها: