جميعاً تدور على راوٍ تكلم فيه عدد من الأئمة النقاد ألا وهو هشام بن عمار وهو وإن كان خطيب دمشق ومقرئها ومحدثها وعالمها وثَّقهُ ابن معين والعجلي فقد قال عنه أبو داود: حدث بأربعمائة حديث لا أصل لها، وقال أبو حاتم: صدوق وقد تغير فكان كل ما دفع إليه قرأه وكل ما لقنه تلقن وكذلك قال ابن سيار: وقال الإمام أحمد: طياش خفيف. وقال النسائي: لا بأس به، وهذا ليس بتوثيق مطلق ورغم دفاع الحافظ الذهبي عنه قال: صدوق مكثر له ما ينكر. وأنكروا عليه أنه لم يكن يحدث إلا بأجر ومثل هذا لا يقبل حديثه في مواطن النزاع وخصوصاً في أمر عمت به البلوى. ورغم ما في ثبوته من الكلام ففي دلالته كلام آخر فكلمة المعازف لم يتفق على معناها بالتحديد ما هو؟ فقد قيل الملاهي وهذه مجملة وقيل آلات العزف ولو سلمنا بأن معناها آلات الطرب المعروفة بآلات الموسيقى فلفظ الحديث المعلق في البخاري غير صريح في إفادة حرمة المعازف لأن عبارة يستحلون كما ذكر ابن العربي لها معنيان: أحدهما يعتقدون أن ذلك حلال.
والثاني أن تكون مجازاً عن الاسترسال في استعمال تلك الأمور إذ لو كان المقصود بالاستحلال المعنى الحقيقي لكان كفراً فإن استحلال الحرام المقطوع به مثل الخمر والزنا المعبر عنه بالحر كفر بالإجماع ولو سلمنا بدلالتها على الحرمة فهل يستفاد منها تحريم المجموع المذكور من الحر والخمر والحرير والمعازف أو كل فرد منها على حدة والأول هو الراجح فإن الحديث في الواقع ينعى على أخلاق طائفة من الناس انغمسوا في الترف والليالي الحمراء وشرب الخمور فهم بين خمر ونساء ولهو وغناء وخز وحرير ولذا روى ابن ماجة هذا الحديث عن أبي مالك الاشعري بلفظ:(ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير) وكذلك رواه ابن حبان في صحيحه والبخاري في تاريخه وكل من روى الحديث من طريق غير طريق هشام بن عمار جعل الوعيد على شرب الخمر وما المعازف إلا مكملة وتابعة ... ] الإسلام والفن ص ٤١ - ٤٤.