وقال الإمام النووي: [قال الشيخ أبو عمرو رحمه الله - يعني ابن الصلاح - وهكذا الأمر في تعليقات البخاري بألفاظ جازمة مثبتة على الصفة التي ذكرناها كمثل ما قال فيه قال فلان أو روى فلان أو ذكر فلان أو نحو ذلك ولم يصب أبو محمد بن حزم الظاهري حيث جعل مثل ذلك انقطاعاً قادحاً في الصحة واستروح إلى ذلك في تقرير مذهبه الفاسد في إباحة الملاهي وزعمه أنه لم يصح في تحريمها حديث مجيباً عن حديث أبي عامر أو أبي مالك الأشعري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... (ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحرير والخمر والمعازف .. إلى آخر الحديث) فزعم أنه وإن أخرجه البخاري فهو غير صحيح لأن البخاري قال فيه: قال هشام بن عمار وساقه بإسناده فهو منقطع فيما بين البخاري وهشام.
وهذا خطأ من ابن حزم من وجوه: أحدها: أنه لا انقطاع في هذا أصلاً من جهة أن البخاري لقي هشاماً وسمع منه وقد قررنا في كتابنا علوم الحديث أنه إذا تحقق اللقاء والسماع مع السلامة من التدليس حمل ما يرويه عنه على السماع بأي لفظ كان كما يحمل قول الصحابي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سماعه منه إذا لم يظهر خلافه وكذا غير قال من الألفاظ. الثاني: أن هذا الحديث بعينه معروف الاتصال بصريح لفظه من غير جهة البخاري. الثالث: أنه وإن كان ذلك انقطاعاً فمثل ذلك في الكتابين - أي الصحيحين - غير ملحق بالانقطاع القادح لما عرف من عادتهما وشرطهما وذكرهما ذلك في كتاب موضوع لذكر الصحيح خاصة فلن يستجيزا فيه الجزم المذكور من غير ثبت وثبوت بخلاف الانقطاع أو الإرسال الصادر من غيرهما هذا كله في المعلق بلفظ الجزم] شرح النووي على صحيح مسلم ١/ ١٨ - ١٩، وانظر الباعث الحثيث ص٣٤ - ٣٥.
ويرى جماعة من أهل العلم أن هذا الحديث ليس معلقاً وإنما هو في صورة المعلق قال الإمام العيني:[والحديث صحيح وإن كانت صورته صورة التعليق وقد تقرر عند الحفاظ أن الذي يأتي به البخاري من التعاليق كلها بصيغة الجزم يكون صحيحاً إلى من علقه عنه ولو لم يكن من شيوخه] عمدة القاري ١٤/ ٥٩١.