مبيح ومانع والذي ترجح لدي بعد دراسة ما وقفت عليه من أبحاث في المسألة القول بإباحة التشريح بضوابط سأبينها لاحقاً. ولكن أذكر أولاً الغاية من التشريح المباح وهي:
١. التحقيق في دعوى جنائية لمعرفة أسباب الوفاة المرتكبة وذلك عندما يشكل على القضاء معرفة أسباب الوفاة ويكون التشريح هو السبيل الوحيد لمعرفة هذه الأسباب.
٢. التحقق من الأمراض الوبائية التي تستدعي التشريح لاتخاذ الاحتياطات الكفيلة بالوقاية منها.
٣. تعليم الطب.
ومما يدل على جواز التشريح لهذه الدواعي ما يلي:
أولاً: القياس على جواز شق بطن الحامل لاستخراج جنينها الذي ترجى حياته حيث أجاز ذلك فقهاء الحنفية والشافعية وبعض المالكية والحنابلة. المجموع ٥/ ٣٠١، الإنصاف ٢/ ٥٥٦، أبحاث هيئة كبار العلماء ٢/ ٢٧ - ٣٣.
ويجوز التشريح قياساً على جواز تقطيع الجنين لإنقاذ أمه إذا غلب على الظن هلاكها بسببه. ومن العلماء من قاسه أيضاً على جواز شق بطن الميت إذا كان قد ابتلع مالاً ثميناً مغصوباً قبل وفاته. وهذه الأوجه الثلاثة من القياس اشتمل الأصل فيها على التصرف في جثة الميت بالشق، والقطع، طلباً لمصلحة الحي المتمثلة في إنقاذه من الموت كما في الوجه الأول، والثاني، وهي مصلحة ضرورية، كما اشتمل الوجه الثالث منها على مصلحة حاجية وهي رد المال المغصوب إلى صاحبه. وكلتا هاتين المصلحتين موجودتان في حال تعلم الجراحة الطبية، إذ يقصد منها تارة إنقاذ حياة المريض وهي المصلحة الضرورية، كما يقصد منها تارة أخرى إنقاذ المريض من آلام الأمراض والأسقام المضنية وهي المصلحة الحاجية، وأما إهانة الميت بتشريح جثته فقد رخص فيها أصحاب هذا القول بناء على القياس أيضاً، حيث استندوا على ما قرره بعض الفقهاء المتقدمين -