فحقيقٌ بمن أقيم في هذا المنصب أن يُعدَ له عُدَّته، وأن يتأهب له أهبته، وأن يعلم قدر المقام الذي أقيم فيه، ولا يكون في صدره حرج من قول الحق والصدع به، فإن الله ناصره وهاديه، وكيف وهو المنصب الذي تولاه بنفسه رب الأرباب، فقال تعالى:(وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ)، وكفى بما تولاه الله تعالى بنفسه شرفاً وجلالةً، إذ يقول في كتابه:(يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ)، وليعلم المفتي عمن ينوب في فتواه، وليوقن أنه مسؤول غداً وموقوف بين يدي الله.
وأول من قام بهذا المنصب الشريف سيد المرسلين، وإمام المتقين، وخاتم النبيين، عبد الله ورسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأمينه على وحيه، وسفيره بينه وبين عباده، فكان يفتي عن الله بوحيه المبين، وكان كما قال له أحكم الحاكمين:(قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ)، فكانت فتاويه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جوامعَ الأحكام، ومشتملة على فصل الخطاب، وهي في وجوب اتباعها وتحكيمها والتحاكم إليها ثانية الكتاب وليس لأحدٍ من المسلمين العُدول عنها ما وجد إليها سبيلاً، وقد أمر الله عباده بالرد إليها حيث يقول:(فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)(١).
ومع هذه الأهمية الخطيرة للفتوى في دين الله، فقد تسوَّر عليها عددٌ كبيٌر ممن ليسوا لها أهلاً، وأسهمت وسائل الإعلام، وخاصة المحطات الفضائية في تعدي كثيرين على شرع الله، وسمعنا فتاوى عجيبة وغريبة، فيها تساهل كبير بحجة أن الدين يسر، أو أن الدين يجب أن يساير العصر، أو بحجة المصلحة ونحو ذلك.
وصار التساهل في الفتوى، طابعاً لبعض المتصدرين على الفضائيات، فهنالك من أفتى بإباحة الربا، ومن أفتى بجواز خروج المرأة متعطرة متزينة