للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المنكدر أنه كان له شقق - نوع من الثياب - بعضها بخمسة

وبعضها بعشرة فباع في غيبته غلام شقة من الخمسيات بعشرة فلما عرف لم يزل يطلب ذلك الأعرابي المشتري طول النهار حتى وجده فقال له: إن الغلام قد غلط فباعك ما يساوي خمسة بعشرة. فقال: يا هذا قد رضيت، فقال: وإن رضيت فإنا لا نرضى لك إلا ما نرضاه لأنفسنا فاختر إحدى ثلاث خصال إما أن تأخذ شقة من العشريات بدراهمك وإما أن نرد عليك خمسة وإما أن ترد شقتنا وتأخذ دراهمك. فقال: أعطني خمسة. فردّ عليه خمسة وانصرف الأعرابي يسأل ويقول: من هذا الشيخ؟ فقيل له: هذا محمد بن المنكدر فقال: لا إله إلا الله هذا الذي نستسقي به في البوادي إذا قحطنا.

فهذا إحسان في أن لا يربح على العشرة إلا نصفاً أو واحداً على ما جرت به العادة في مثل ذلك المتاع في ذلك المكان ومن قنع بربح قليل كثرت معاملاته واستفاد من تكررها ربحاً كثيراً وبه تظهر البركة.

كان علي رضي الله عنه يدور في سوق الكوفة بالدرة ويقول: معاشر التجار خذوا الحق تسلموا لا تردوا قليل الربح فتحرموا كثيره] إحياء علوم الدين ٢/ ٨١ - ٨٢.

إذا تقرر هذا القدر من أخلاق التجار وحسن تعاملهم نعود إلى السؤال فأقول إن ما حصل بين السائل والتاجر الذي اشترى منه إنما هو نوع من الغبن ويشبه الغبن الذي يسميه الفقهاء غبن المسترسل وهو المستسلم لبائعه فلا يساوم ولا يماكس. وقد أثبت بعض الفقهاء الخيار للمسترسل المغبون أخذاً مما ورد في الحديث عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: (ذُكر رجل لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه يخدع في البيوع. فقال: من بايعت فقل لا خلابة) رواه البخاري ومسلم.

وعن أنس أن رجلاً على عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يبتاع وكان في عقدته يعني في عقله ضعف فأتى أهلُهُ النبيَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا: يا رسول الله احجر على فلان فإنه يبتاع وفي عقدته ضعف، فدعاه ونهاه فقال يانبي الله إني لاأصبر عن البيع فقال إن كنت غير تارك للبيع فقل ها وها

<<  <  ج: ص:  >  >>