لم تجر للمسلمين عادة بمثل ذلك وأيضاً الظاهر من قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لأكلتها) أي في الحال ويبعد كل البعد أن يريد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأكلتها بعد التعريف ثلاثاً وقد اختلف أهل العلم في مقدار التعريف بالحقير فحكى في البحر عن زيد بن علي والناصر والقاسمية والشافعي أنه يعرف به سنة كالكثير وحكى عن المؤيد بالله والإمام يحيى وأصحاب أبي حنيفة أنه يعرف به ثلاثة أيام واحتج الأولون بقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (عرفها سنة) قالوا: ولم يفصل. واحتج الآخرون بحديث يعلى بن مرة وحديث علي وجعلوهما مخصصين لعموم حديث التعريف سنة وهو الصواب لما سلف] نيل الأوطار ٥/ ٣٧٩ - ٣٨٠.
وأما الأمور ذات القيمة فيجب تعريفها لمدة سنة كما ثبت في الحديث عن أبي بن كعب - رضي الله عنه - قال: أصبت صرة فيها مئة دينار فأتيت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: عرفها حولاً فعرفتها حولاً فلم أجد من يعرفها ثم أتيته فقال: عرفها حولاً فعرفتها فلم أجد ثم أتيته ثلاثاً فقال: احفظ وعاءها وعددها ووكاءها فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها فاستمتعت بها فلقيته بعد بمكة فقال: لا أدري ثلاثة أحوال أو حولاً واحداً) رواه البخاري.
وعن زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه - أنه قال: جاء رجل إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسأله عن اللقطة فقال:(اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرِّفها سنة فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها قال: فضالة الغنم قال: لك أو لأخيك أو للذئب قال: فضالة الإبل؟ قال: مالك ولها؟ معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربُها) رواه مسلم.
والعفاص هو الوعاء الذي يكون فيه المال والوكاء هو الخيط الذي يشد به الوعاء.
وفي رواية لمسلم عن زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه - قال: سئل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن اللقطة الذهب أو الورق فقال:(اعرف وكاءها وعفاصها ثم عرِّفها سنة فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك فإن جاء طالبها يوماً من الدهر فأدها إليه) وسأله عن ضالة الإبل فقال: (مالك ولها؟ دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها) وسأله