العلماء قد قرروا أن الأصل في الأشياء الإباحة يقول الله تعالى:(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا) سورة البقرة الآية ٢٩. وقال تعالى:(أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) سورة لقمان الآية ٢٠.
وقد ورد في الحديث عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:(ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسى شيئاً وتلا قوله تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) سورة مريم الآية ٦٤) رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وقال العلامة الألباني حديث حسن، انظر غاية المرام ص١٤.
وقال الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله ورعاه: [وأحب أن أنبه هنا على أن أصل الإباحة لا يقتصر على الأشياء والأعيان بل يشمل الأفعال والتصرفات التي ليست من أمور العبادة وهي التي نسميها (العادات والمعاملات) فالأصل فيها عدم التحريم وعدم التقييد إلا ما حرمه الشارع وألزم به وقوله تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) سورة الأنعام الآية ١١٩ , عام في الأشياء والأفعال. وهذا بخلاف العبادة فإنها من أمر الدين المحض الذي لا يؤخذ إلا عن طريق الوحي وفيها جاء الحديث الصحيح:(من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو ردٌّ). وذلك أن حقيقة الدين تتمثل في أمرين: ألا يعبد إلا الله وألا يعبد الله إلا بما شرع فمن ابتدع عبادة من عنده كائناً من كان فهي ضلالة ترد عليه لأن الشارع وحده هو صاحب الحق في إنشاء العبادات التي يتقرب بها إليه.
وأما العادات أو المعاملات فليس الشارع منشئاً لها بل الناس هم الذين أنشؤوها وتعاملوا بها والشارع جاء مصححاً لها ومعدلاً ومهذباً ومقراً في بعض الأحيان ما خلا عن الفساد والضرر منها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [إن تصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان: عبادات يصلح بها دينهم وعادات يحتاجون إليها في دنياهم فباستقراء أصول الشريعة نعلم أن العبادات التي أوجبها الله أو أحبها لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع وأما العادات فهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه