والأصل فيه عدم الحظر فلا يحظر منه إلا ما حظره الله سبحانه وتعالى وذلك لأن الأمر والنهي هما شرع الله والعبادة لا بد أن تكون مأموراً بها فما لم يثبت أنه مأمور به كيف يحكم عليه بأنه محظور؟ ولهذا كان أحمد وغيره من فقهاء أهل الحديث يقولون: إن الأصل في العبادات التوقيف فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله وإلا دخلنا في معنى قوله تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) سورة الشورى الآية ٢١. والعادات الأصل فيها العفو فلا يحظر منها إلا ما حرمه وإلا دخلنا في معنى قوله:(قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا) سورة يونس الآية ٥٩.
وهذه قاعدة عظيمة نافعة وإذا كان كذلك فنقول: البيع والهبة والإجارة وغيرها من العادات التي يحتاج الناس إليها في معاشهم كالأكل والشرب واللباس فإن الشريعة قد جاءت في هذه العادات بالآداب الحسنة فحرمت منها ما فيه فساد وأوجبت ما لا بد منه وكرهت ما لا ينبغي واستحبت ما فيه مصلحة راجحة في أنواع هذه العادات ومقاديرها وصفاتها. وإذا كان كذلك فالناس يتبايعون ويستأجرون كيف يشاؤون ما لم تحرم الشريعة كما يأكلون ويشربون كيف شاؤوا ما لم تحرم الشريعة وإن كان بعض ذلك قد يستحب أو يكون مكروهاً وما لم تحد الشريعة في ذلك حداً فيبقون فيه على الإطلاق الأصلي] القواعد النورانية ١١٢ - ١١٣. ومما يدل على هذا الأصل المذكور ما جاء في الصحيح عن جابر بن عبد الله قال:[كنا نعزل والقرآن ينزل فلو كان شيء ينهى عنه لنهى عنه القرآن] فدل على أن ما سكت عنه الوحي غير محظور ولا منهي عنه وأنهم في حل من فعله حتى يرد نص بالنهي والمنع. وهذا من كمال فقه الصحابة رضي الله عنهم وبهذا تقررت هذه القاعدة الجليلة:(ألا تشرع عبادة إلا بشرع الله ولا تحرم عادة إلا بتحريم الله)] الحلال والحرام ص٢١ - ٢٣.
وخلاصة الأمر أنه ينبغي إقامة الجمعيات الخيرية المنطلقة في أهدافها ووسائلها وتعاملها من شرع الله. وإن إقامة هذه الجمعيات الخيرية يدخل في عموم قوله تعالى:(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى).