وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يتطيرون) مأخوذ من الطيرة وهي التشاؤم والطيرة محرمة شرعاً وقد صح في الحديث من قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر) رواه البخاري ومسلم.
وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وعلى ربهم يتوكلون) والتوكل على الله هو الثقة بالله تعالى والإيقان بأن قضاءه نافذ واتباع سنة نبيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في السعي فيما لا بد منه من المطعم والمشرب والتحرز من العدو كما فعله الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه أجمعين فالأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل. انظر شرح النووي على صحيح مسلم ١/ ٤٤٨.
قال الشيخ سليمان بن عبد الوهاب: [قوله: (وعلى ربهم يتوكلون) ذكر الأصل الجامع الذي تفرعت عنه هذه الأفعال وهو التوكل على الله وصدق الالتجاء إليه والاعتماد بالقلب عليه الذي هو خلاصة التفريد ونهاية تحقيق التوحيد الذي يثمر كل مقام شريف من المحبة والخوف والرجاء والرضى به رباً وإلهاً والرضى بقضائه بل ربما أوصل العبد إلى التلذذ بالبلاء وعده من النعماء فسبحانه من يتفضل على من يشاء بما يشاء والله ذو الفضل العظيم.
واعلم أن الحديث لا يدل على أنهم لا يباشرون الأسباب أصلاً كما يظنه الجهلة فإن مباشرة الأسباب في الجملة أمر فطري ضروري لا انفكاك لأحد عنه حتى الحيوان البهيم بل نفس التوكل مباشرة لأعظم الأسباب كما قال تعالى:(وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) أي كافيه إنما المراد أنهم يتركون الأمور المكروهة مع حاجتهم إليها توكلاً على الله كالاسترقاء والاكتواء فتركهم له ليس لكونه سبباً لكن لكونه سبباً مكروهاً لا سيما والمريض يتشبث بما يظنه سبباً لشفائه بخيط العنكبوت أما نفس مباشرة الأسباب والتداوي على وجه لا كراهية فيه فغير قادح في التوكل فلا يكون تركه مشروعاً كما في الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعاً: [ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء] وعن أسامة بن شريك قال: كنت عند النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجاءت الأعراب فقالوا يا رسول الله: أنتداوى؟ فقال:(نعم يا عباد الله تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داءً إلا وضع له شفاءً غير داء واحد فقالوا: وما هو؟ قال: الهرم) رواه أحمد.