فالحديث ليس بثابت عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولكن معناه صحيح إذا حملناه على الاختلاف في الفروع الفقهية كما قال بعض أهل العلم كما سيأتي. وأما قول الشيخ ابن حزم في رد الحديث دراية:[لأنه لو كان الاختلاف رحمة لكان الاتفاق سخطاً] فغير مسلَّم لأن كون الاختلاف رحمة لا يعني أن يكون الاتفاق سخطاً كما قال وهذا الكلام من ابن حزم إنما هو أخذ بمفهوم المخالفة وابن حزم لا يأخذ بمفهوم المخالفة أصلا فكيف يحتج به، هذا أولاً.
وأما ثانياً فقد قال الإمام النووي: [قال الخطابي: وقد روي عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال:(اختلاف أمتي رحمة) فاستصوب عمر ما قاله. قال: وقد اعترض على حديث اختلاف أمتي رحمة رجلان أحدهما مغموض عليه في دينه وهو عمرو بن بحر الجاحظ والآخر معروف بالسخف والخلاعة وهو إسحق بن إبراهيم الموصلي فإنه لما وضع كتابه في الأغاني وأمكن في تلك الأباطيل لم يرض بما تزود من إثمها حتى صدر كتابه بذم أصحاب الحديث وزعم أنهم يروون ما لا يدرون وقال هو والجاحظ: لو كان الاختلاف رحمة لكان الاتفاق عذاباً ثم زعم إنما كان اختلاف الأمة رحمة في زمن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خاصة فإذا اختلفوا سألوه فبين لهم. والجواب عن هذا الاعتراض الفاسد أنه لا يلزم من كون الشيء رحمة أن يكون ضده عذاباً ولا يلتزم هذا ويذكره إلا جاهل أو متجاهل وقد قال تعالى:(ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه) فسمى الليل رحمة ولم يلزم من ذلك أن يكون النهار عذاباً وهو ظاهر لا شك فيه. قال الخطابي: والاختلاف في الدين ثلاثة أقسام: أحدها في إثبات الصانع ووحدانيته وإنكار ذلك كفر، والثاني في صفاته ومشيته وإنكارها بدعة، والثالث في أحكام الفروع المحتملة وجوهاً فهذا جعله الله تعالى رحمة وكرامة للعلماء وهو المراد بحديث اختلاف أمتي رحمة هذا آخر كلام الخطابي رحمه الله] شرح النووي على صحيح مسلم ٤/ ٢٥٨.
وأما ثالثاً فالاختلاف المذكور هو الاختلاف في الفروع الفقهية والاختلاف فيها ليس فيه حرج ما دام أنه قد صدر عن أهل الاجتهاد.