للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والاختلاف في الفروع موجود منذ عهد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما حصل في نهاية غزوة الأحزاب عندما قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأصحابه:

(لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة) رواه البخاري ومسلم. فقد اختلف الصحابة في ذلك فمنهم من قال إنه أراد منا الإسراع فصلى العصر في الطريق إلى ديار بني قريظة ومنهم من لم يصل العصر إلا في بني قريظة وصلوها بعد أن غابت الشمس ولما عرض الأمر على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يعنف أحداً من الفريقين.

كما أن كبار الصحابة قد اختلفوا في مسائل الفروع وهذا أمر مشهور معروف واختلافهم فيه توسعة على الأمة. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي في مقدمة كتابه العظيم المغني ما نصه: [أما بعد: فإن الله برحمته وطَوْله وقوته وحوله ضمن بقاء طائفة من هذه الأمة على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك وجعل السبب في بقائهم بقاء علمائهم واقتدائهم بأئمتهم وفقهائهم وجعل هذه الأمة مع علمائها كالأمم الخالية مع أنبيائها وأظهر في كل طبقة من فقهائها أئمة يقتدى بها وينتهى إلى رأيها وجعل في سلف هذه الأمة أئمة من الأعلام مهد بهم قواعد الإسلام. وأوضح بهم مشكلات الأحكام اتفاقهم حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة. تحيا القلوب بأخبارهم وتحصل السعادة باقتفاء آثارهم ثم اختص منهم نفراً أعلى قدرهم ومناصبهم وأبقى ذكرهم ومذاهبهم فعلى أقوالهم مدار الأحكام وبمذاهبهم يفتي فقهاء الإسلام] المغني ١/ ٣ - ٤.

وقد ذكر الحافظ ابن عبد البر عن جماعة من فقهاء السلف أن الاختلاف في الفروع فيه سعة فروى عن القاسم بن محمد بن أبي بكر قال: [لقد نفع الله باختلاف أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أعمالهم لا يعمل العامل بعمل رجل منهم إلا رأى أنه في سعة ورأى أنه خير منه قد عمله. وعن القاسم بن محمد قال: لقد أوسع الله على الناس باختلاف أصحاب محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أي ذلك أخذت به لم يكن في نفسك منه شيء. وعن رجاء بن جميل قال: اجتمع عمر بن عبد العزيز والقاسم بن محمد فجعلا

<<  <  ج: ص:  >  >>