تائبين فكان قنوته لعارض فلما زال ترك القنوت ولم يختص بالفجر بل كان يقنت في صلاة الفجر والمغرب ذكره البخاري في صحيحه عن أنس وقد ذكره مسلم عن البراء وذكر الإمام أحمد عن ابن عباس قال: قنت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شهراً متتابعاً في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح في دبر كل صلاة إذا قال: سمع الله لمن حمده من الركعة الأخيرة يدعو على حي من بني سليم على رعل وذكوان وعصية ويؤمن من خلفه ورواه أبو داود. وكان هديه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - القنوت في النوازل خاصة وتركه عند عدمها ولم يكن يخصه بالفجر بل كان أكثر قنوته فيها لأجل ما شرع فيها من التطويل ولاتصالها بصلاة الليل وقربها من السحر وساعة الإجابة وللتنزل الإلهي ولأنها الصلاة المشهودة التي يشهدها الله وملائكته أو ملائكة الليل والنهار كما روي هذا وهذا في تفسير قوله تعالى:(إِنَّ قُرْءَانَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) سورة الإسراء الآية ٧٨] زاد المعاد ١/ ٢٧٢ - ٢٧٣.
وقال العلامة ابن القيم أيضاً: [ولا ريب أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعل ذلك - أي القنوت - ثم تركه فأحب أبو هريرة أن يعلمهم أن مثل هذا القنوت سنة وأن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعله وهذا ردٌّ على أهل الكوفة الذين يكرهون القنوت في الفجر مطلقاً عند النوازل وغيرها ويقولون: هو منسوخ وفعله بدعة فأهل الحديث متوسطون بين هؤلاء وبين من استحبه عند النوازل وغيرها وهم أسعد بالحديث من الطائفتين فإنهم يقنتون حيث قنت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويتركونه حيث تركه فيقتدون به في فعله وتركه ويقولون: فعله سنة وتركه سنة ومع هذا فلا ينكرون على من داوم عليه ولا يكرهون فعله ولا يرونه بدعة ولا فاعله مخالفاً للسنة كما لا ينكرون على من أنكره عند النوازل ولا يرون تركه بدعة ولا تاركه مخالفاً للسنة بل من قنت فقد أحسن ومن تركه فقد أحسن، وركن الاعتدال محل الدعاء والثناء وقد جمعهما النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه ودعاء القنوت دعاء وثناء فهو أولى بهذا المحل وإذا جهر به الإمام أحياناً ليعلم المأمومين فلا بأس بذلك فقد جهر عمر - رضي الله عنه - بالاستفتاح ليعلم المأمومين وجهر ابن عباس - رضي الله عنه - بقراءة الفاتحة في صلاة الجنازة ليعلمهم أنها سنة ومن هذا أيضاً جهر الإمام بالتأمين وهذا من