ودواعيه المعتبرة وقبل بيانها لا بد من الإشارة إلى قضيتن هامتين:
الأولى: إن الإختلافات الفقهية بين علماء الإسلام كأصحاب المذاهب الأربعة (أبو حينفة ومالك والشافعي وأحمد) هي اختلافات في الفروع أي في المسائل الفقهية والقواعد والأسس التي بنيت عليها تلك الفروع.
وأما أصول الإسلام وقواعد العقيدة فهي محل اتفاق بين عامة علماء الإسلام لا خلاف بينهم فيها.
الثانية: إن الإختلافات في فروع الإسلام موجودة منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم ومن الشواهد على ذلك:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب (لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة فأدرك بعضهم العصر في الطريق فقال بعضهم لا نصلي حتى نأتيها وقال بعضهم: بل نصلي، لم يرد منا ذلك، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحداً منهم) رواه البخاري.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماءً فتيمما صعيداً طيباً فصليا ثم وجد الماء في الوقت، فتوضأ أحدهما وأعاد اصلاة ولم يعد الآخر، ثم أتيا الرسول صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له، فقال: للذي لم يعد أصبت السنة وأجزأتك صلاتك، وقال للذي أعاد لك الأجر مرتين) رواه أبو داود والنسائي وهو حديثٌ صحيح.
ونلاحظ في هذين الحديثين أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينكر على الصحابة اختلافهم في قضايا فرعية بل أقر كل طرف على ما وصل إليه اجتهاده.
واختلاف فقهاء المسلمين في أبواب الفقه الإسلامي له أسبابه المعتبرة وكل إمام من أئمة الفقه بنى مذهبه الفقهي على قواعد وأسس وضوابط معروفة.
وهؤلاء الأئمة ما كانوا يصدرون في اجتهاداتهم وآرائهم الفقهية عن هوىً أو تشهٍ أو قولٍ في دين الله بغير دليل وإنما لدى كل منهم أصولٌ بنى