إن المفهوم الحق للعبادة الذي أشرت إليه ينسجم مع النظرة الواعية في فهم الإسلام فهماً صحيحاً قائماً على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومبنياً على فهم السلف الصالح لهذا الدين بعمومه وشموله وأنه يغطي جميع جوانب الحياة وليس قاصراً على جانب واحد منها مع إهمال الجوانب الأخرى.
إن من يظن أن مجرد الصلاة والصيام والحج وبعض الذكار هي الدين كله وهي العبادة كلها لاشك أن مخطئ خطأً شنيعاً في تصوره لحقيقة الدين وفهمه لحقيقة العبادة.
لا شك أن الصلاة والصيام والحج من أعظم الشعائر ومن أركان الإسلام ولكنها تبقى جزءاً من هذا البناء العظيم ومن هذا النظام الشامل لجميع نواحي الحياة، حتى الأمور التي يظنها كثير من الناس أنها من الأمور البسيطة وقد يعتبرها بعضهم لا علاقة للدين بها كقضاء الشهوة كما في قوله صلى الله عليه وسلم لبعض الصحابة:(وفي بضع أحدكم صدقة. قالوا: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر. قالوا: نعم. قال: كذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر) رواه مسلم. فانظر أخي المسلم إلى هذه الشهوة الغريزية كيف تكون عبادة لله تعالى إذا نوى المسلم أن يعف نفسه وأن يحصن زوجه فعمله يكون عبادة لله تعالى له الأجر والثواب وهذا الأمر قد يعتبره بعض الناس تافهاً فما بالك بالأمور الأخرى؟
وفي الحقيقة إن شرح مفهوم العبادة في الإسلام لا يسعه هذا المقام الضيق فيحتاج إلى رسائل ومؤلفات ولكن لا بد من التأكيد على أن مفهوم العبادة في الإسلام مفهوم واسع شامل لكل نواحي الحياة وأن كل عمل يصدر عن المسلم يمكن أن يكون عبادة إذا توفرت فيه بعض الشروط.
أولها: أن يكون العمل خالصاً لله تعالى فإذا قصد العامل أن يغني أسرته وينفع الناس فعمله عبادة.
ثانيها: أن يكون العمل ضمن حدود الشرع فلا يجوز للمسلم أن