وغير ذلك من الآيات. فالمسلم يعتمد على الله سبحانه وتعالى ويتوكل عليه وحده ولكن التوكل على الله سبحانه وتعالى لا يتنافى مع الأخذ بالأسباب فالمطلوب من المسلم أن يأخذ بالأسباب ثم يتوكل على الله جل جلاله. فقد ورد في الحديث عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رجل: يا رسول الله أرسل ناقتي وأتوكل على الله فقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (اعقلها وتوكل) رواه الترمذي وابن حبان وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي ٢/ ٣٠٩.
قال الإمام ابن العربي المالكي:[قد ورد صحيحاً بقريب من هذا المعنى صحيح. وذلك أن حقيقة التوكل لا ينافيه النظر في الأسباب بعد المعرفة بمقادير وإنزال منزلتها فأما التفويض فقطع الأسباب فلا يقدر عليه البشر وإنما هو لآحاد من الخلق وقليل ما هم وقد كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعمل بالأسباب سنة للخلق وتطييباً لنفوسهم وإلا فمنزلته أعظم من منزلة مريم ولكنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث صلاحاً للدين والدنيا ومقيماً لقانونيهما] عارضة الأحوذي ٩/ ٢٣٥ .......
إذا تقرر هذا فإن ادخار الأطعمة وغيرها لا ينافي التوكل على الله سبحانه وتعالى بل هو أخذ بالأسباب الشرعية وقد ثبت أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يدخر قوت سنة لأهله قال الإمام البخاري في صحيحه: [باب حبس الرجل قوت سنة على أهله، وكيف نفقات العيال؟ ثم قال: [حدثني محمد بن سلام أخبرنا وكيع عن ابن عيينة قال: قال لي معمر قال لي الثوري: هل سمعت في الرجل يجمع لأهله قوت سنتهم أو بعض السنة؟ قال معمر: فلم يحضرني. ثم ذكرت حديثاً حدثناه ابن شهاب الزهري عن مالك بن أوس عن عمر - رضي الله عنه -: (أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يبيع نخل بني النضير ويحبس لأهله قوت سنتهم). قال الحافظ ابن حجر: [قال ابن دقيق العيد: في الحديث جواز الادخار للأهل قوت سنة وفي السياق ما يؤخذ منه الجمع بينه وبين حديث (كان لا يدخر شيئاً لغد) فيحمل على الادخار لنفسه وحديث الباب على الادخار لغيره ولو كان له في ذلك مشاركة لكن المعنى أنهم المقصد بالادخار دونه حتى لو لم يوجدوا لم يدخر قال: والمتكلمون على لسان الطريقة جعلوا أو بعضهم ما زاد على السنة خارجاً عن طريقة التوكل