فقد جاء في حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - (أن جدته مليكة دعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لطعام صنعته له فأكل منه ثم قال: قوموا فلأصل لكم، قال أنس فقمت إلى حصير لنا قد اسودَّ من طول ما لبس فنضحته بماء فقام رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصففت واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا فصلى لنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعتين ثم انصرف) رواه البخاري ومسلم. وروى الترمذي بإسناده عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال:(أمرنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا كنا ثلاثة أن يتقدمنا أحدنا) قال أبو عيسى - الترمذي - وفي الباب عن ابن مسعود وجابر وأنس بن مالك قال أبو عيسى وحديث سمرة حديث حسن غريب والعمل على هذا عند أهل العلم قالوا إذا كانوا ثلاثة قام رجلان خلف الإمام] سنن الترمذي ١/ ٤٥٢ - ٤٥٣.
وعن أبي مسعود - رضي الله عنه - قال كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول:(استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ليلني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) رواه مسلم وغير ذلك من الأدلة، فالأصل أن تقدم الإمام على جماعة المصلين واجب. قال الشيخ ابن حزم:[ ... لأن فَرْضَ الإِمَامِ لِغَيْرِ الضَّرُورَةِ أَنْ يَقِفَ أَمَامَ الْمَأْمُومِينَ وَهُمْ وَرَاءَهُ ولا بد ... ] المحلى ٣/ ١٣٩.
وأما من صلى أمام الإمام لغير عذر فلا تصح صلاته على الراجح من أقوال أهل العلم. والعذر مثل أن يكون هنالك زحام شديد كما يحدث في المسجد الحرام في موسم الحج أو ضاق الموضع الذي يصلون فيه فإن صلى أحد قدَّام الإمام صحت صلاته حينئذ وهذا القول رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال: [أما صلاة المأموم قدَّام الإمام. ففيها ثلاثة أقوال للعلماء: أحدها: إنها تصح مطلقاً، وإن قيل إنها تكره، وهذا القول هو المشهور من مذهب مالك، والقول القديم للشافعي. والثاني: إنها لا تصح مطلقاً، كمذهب أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد في المشهور من مذهبهما. والثالث: إنها تصح مع العذر، دون غيره، مثل ما إذا كان زحمة فلم يمكنه أن يصلي الجمعة أو الجنازة إلا قدًّام الإمام، فتكون صلاته قدَّام الإمام خيراً له من تركه للصلاة. وهذا قول طائفة من العلماء، وهو قول في مذهب