وجوب الكفارة فيه, لأن النذر يمين, ولو حلف ليشربن الخمر، أو ليقتلن فلاناً, وجبت عليه كفارة اليمين وإن كانت يمين معصية فهكذا إذا نذر المعصية. وقد ثبت عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تسمية النذر يميناً (لما قال لأخت عقبة لما نذرت المشي إلى بيت الله فعجزت تكفر يمينها) , وهو حديث صحيح وسيأتي. وعن عقبة مرفوعاً وموقوفاً (النذر حلفة). وقال ابن عباس في امرأة نذرت ذبح ابنها (كفري يمينك) فدل على أن النذر داخل في مسمى اليمين في لغة من نزل القرآن بلغتهم. وذلك أن حقيقته هي حقيقة اليمين فإنه عقده لله ملتزماً له, كما أن الحالف عقد يمينه بالله ملتزماً لما حلف عليه, بل ما عُقد لله أبلغ وألزم مما عقد به فإن ما عقد به من الأيمان لا يصير باليمين واجباً, فإذا حلف على قربة مستحبة ليفعلنها لم تصر واجبة عليه, وتجزئه الكفارة ولو نذرها وجبت عليه ولم تجزئه الكفارة. فدل على أن الالتزام بالنذر آكد من الالتزام باليمين, فكيف يقال: إذا التزم معصية بيمينه وجبت عليه الكفارة, وإذا التزمها بنذره الذي هو أقوى من اليمين فلا كفارة فيها فلو لم يكن في المسألة إلا هذا وحده لكان كافياً. ومما يدل على أن النذر آكد من اليمين. أن الناذر إذا قال: لله عليَّ أن أفعل كذا فقد عقد نذره بجزمه أيمانه بالله, والتزامه تعظيمه, كما عقدها الحالف بالله كذلك, فهما من هذه الوجوه سواء, والمعنى الذي يقصده الحالف ويقوم بقلبه هو
بعينه مقصود للناذر قائم بقلبه ويزيد النذر عليه أنه التزمه لله, فهو ملتزم من وجهين: له, وبه. والحالف إنما التزم ما حلف عليه خاصة, فالمعنى الذي في اليمين داخل في حقيقة النذر فقد تضمن النذر اليمين وزيادة, فإذا وجبت الكفارة في يمين المعصية فهي أولى بأن تجب في نذرها. ولأجل هذه القوة والتأكيد: قال بعض الموجبين للكفارة فيه: إنه إذا نذر المعصية لم يبرأ بفعلها, بل تجب عليه الكفارة عيناً, ولو فعلها لقوة النذر, بخلاف ما إذا حلف عليها, فإنه إنما تلزمه الكفارة إذا حنث, لأن اليمين أخف من النذر. وهذا أحد الوجهين لأصحاب أحمد, وتوجيهه ظاهر جداً, فإن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهاه عن الوفاء بالمعصية, وعين عليه الكفارة عيناً, فلا يخرج من عهدة الأمر إلا بأدائهما] حاشية ابن القيم على سنن أبي داود ٩/ ٨٤ - ٨٦.