وتغليظ اليمين يكون بأمور: منها التغليظ في الزمان ومنه الحلف بعد صلاة العصر، وهو المذكور في الآية كما قال المفسرون، قال القرطبي:" قوله تعالى (من بعد الصلاة) يريد صلاة العصر، قاله الأكثر من العلماء، لأن أهل الأديان يعظمون ذلك الوقت ويتجنبون فيه الكذب واليمين الكاذبة " تفسير القرطبي ٦/ ٣٥٣.
وثبت في الحديث الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم رجل على فضل ماء بطريق يمنع منه ابن السبيل، ورجل بايع رجلاً بسلعةٍ، لا يبايعه إلا للدنيا، فإن أعطاه ما يريد وفّى وإلا، لم يف له، ورجل ساوم رجلاً بسلعةٍ بعد العصر، فحلف بالله لقد أعطى كذا وكذا فأخذها) رواه البخاري ومسلم.
قال الحافظ ابن حجر:" قال المهلب: إنما خص النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الوقت بتعظيم الإثم على من حلف فيه كاذباً لشهود ملائكة الليل والنهار ذلك الوقت، انتهى. وفيه نظر لأن بعد صلاة الصبح يشاركه في شهود الملائكة ولم يأت فيه ما أتى في وقت العصر ويمكن أن يكون اختص بذلك لكونه وقت ارتفاع الأعمال " فتح الباري ٦/ ٢١٢.
ونقل الحافظ ابن حجر عن الخطابي قوله:" خُص وقت العصر بتعظيم الإثم فيه وإن كانت اليمين الفاجرة محرمة في كل وقت، لأن الله عظم شأن هذا الوقت بأن جعل الملائكة تجتمع فيه، وهو وقت ختام الأعمال، والأمور بخواتيمها، فغلظت العقوبة فيه لئلا يقدم عليها تجرؤاً، فإن من تجرأ عليها فيه، إعتادها في غيره، وكان السلف يحلفون بعد العصر، وجاء ذلك في الحديث أيضاً " فتح الباري ١٦/ ٣٢٩.
ومنها التغليظ في المكان، كالمسجد والمنبر، فقد ورد في الحديث، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:(لا يحلف أحد عند منبري هذا على يمين آثمة، ولو على سواك أخضر، إلا تبوأ مقعده من النار) رواه مالك وأبو داود والنسائي وابن ماجة وصححه ابن خزيمة وابن حبان