مجلس وطرحت مسألة شرعية، ترى كثيراً من الجالسين يدلون برأيهم من غير أن يُطلب منهم، ويعضهم قد لا يحسن الوضوء.
وصار دين الله وشرعه مع الأسف الشديد حمىً مستباحاً لأشباه المتعلمين، وظن كثيرٌ من طلبة العلم الشرعي، أنهم بمجرد حصولهم على الشهادة الجامعية الأولى يحق لهم الإفتاء في دين الله، وما دروا أن شهادة (البكالوريوس) في الشريعة الإسلامية في زماننا هذا، تعني محو أمية في العلوم الشرعية فقط، هذا إذا وزناها بالميزان الصحيح ولا يشذ عن هذا إلا القليل جداً.
وإلى المجترئين على الفتوى في أيامنا هذه، أسُوق بعض كلام أهل العلم في الفتيا لعل أحدهم يعرف قدره وحده فيقف عنده فلا يتجاوزه.
قال العلاّمة ابن القيم في بيان الشروط التي تجب فيمن يبلغ عن الله ورسوله:" ولما كان التبليغ عن الله سبحانه وتعالى يعتمد العلم بما يبلغ والصدق فيه، لم تصلح مرتبة التبليغ بالرواية والفتيا إلا لمن اتصف بالعلم والصدق، فيكون عالماً بما يبلغ صادقاً فيه ويكون مع ذلك حسن الطريقة، مرضي السيرة، عدلاً في أقواله وأفعاله، متشابه السر والعلانية في مدخله ومخرجه وأحواله، وإذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا ينكر فضله، ولا يجهل قدره وهو من أعلى المراتب السنيات، فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسماوات؟، فحقيق بمن أقيم في هذا المنصب أن يعد له عدته، ويتأهب له أهبته، وأن يعلم قدر المقام الذي أقيم فيه، ولا يكون في صدره حرج من قول الحق والصدع به، فإن الله ناصره وهاديه، وكيف وهو المنصب الذي تولاه بنفسه رب الأرباب، فقال تعالى:(وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ) سورة النساء /١٢٧، وكفى بما تولاه الله تعالى بنفسه شرفاً وجلالة إذ يقول في كتابه:(يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) سورة النساء /١٧٦، وليعلم المفتي عمن ينوب في فتواه، وليوقن أنه مسؤول غداً وموقوف بين يدي الله " إعلام الموقعين عن رب العالمين ١/ ١١.