للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن كثيراً من المجترئين على الفتوى لا يفهم هذا الكلام لا من قريب ولا من بعيد، والمهم عندهم أن يظهروا أمام العامة بمختلف الوسائل ليشار إليهم بالبنان، فيجيبوا عن كل مسألة توجه لهم ولا يعرفون قول (لا أدري)، لأنهم يعتبرون ذلك عاراً وشناراً

أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا يا سعد تورد الإبل

لأن الناس يصفونهم بالجهل إن فعلوا ذلك، وما دروا أن سلفنا الصالح كانوا يحرصون على قول لا أدري، كحرص هؤلاء المتعالمين على الإجابة، وقديماً قال العلماء: " لا أدري نصف العلم "، قال ابن أبي ليلى: " أدركت مئة وعشرين من الأنصار من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسأل أحدهم عن المسألة، فيردها هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول، وما منهم أحد يحدث بحديث أو يسأل عن شيء إلا ود أن أخاه كفاه.

وقال عمر بن الخطاب: " أجرؤكم على الفتيا، أجرؤكم على النار.

وقال ابن عباس: " إذا أخطأ العالم (لا أدري) أصيبت مقاتله ".

فلا ينبغي لأحد أن يقتحم حمى الفتوى ولما يتأهل لذلك، وقد قرر أهل العلم أن من أفتى وليس بأهل للفتوى فهو آثم عاص.

وكان شيخ الإسلام ابن تيمية شديد الإنكار على أدعياء العلم الذين يتصدرون للفتيا فقال له بعضهم يوماً: أجعلت محتسباً على الفتوى؟ فقال له: " يكون على الخبازين والطباخين محتسب ولا يكون على الفتوى محتسب " انظر الفتوى - د. يوسف القرضاوي ص٢٤.

وأدعياء العلم هؤلاء اقتحموا هذه العقبة الكؤود، ولم يستعدوا لها، فلو سألت أحدهم عن مبادئ وقواعد أصول الفقه، لما عرفها، فلو سألته ما العام؟ وما الخاص؟ وما المطلق وما المقيد؟ وما القياس؟ وما الحديث المرسل؟ لما أحرى جواباً.

ولو سألته عن أمهات كتب الفقه المعتبرة لما عرفها، ولو سألته عن

<<  <  ج: ص:  >  >>