وأبطلوا حقيقته ودفع آخرون من أهل الكلام هذا الحديث وقالوا: لو جاز أن يكون له تأثير في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يؤمن أن يؤثر ذلك فيما يوحى إليه من أمر الشرع فيكون فيه ضلال الأمة.
والجواب أن السحر ثابت وحقيقته موجودة. وقد قال الله تعالى:(يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) وأمر بالاستعاذة منه فقال عز وجل: (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ).
وورد في ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبار لا ينكرها إلا من أنكر العيان والضرورة. فأما ما زعموا من دخول الضرر في الشرع بإثباته فليس كذلك لأن السحر إنما يعمل في أبدانهم وهم بشرٌ يجوز عليهم من العلل والأمراض ما يجوز على غيرهم وليس تأثير السحر في أبدانهم بأكثر من القتل وتأثير السم وعوارض الأسقام فيهم وقد قتل زكريا وابنه وَسُمَّ نبينا - صلى الله عليه وسلم - بخيبر فأما أمر الدين فإنهم معصومون فيما بعثهم الله جلّ ذكره وأرصدهم له وهو جل ذكره حافظ لدينه وحارس لوحيه أن يلحقه فساد أو تبديل وإنما كان خيّل إليه أنه يفعل الشيء من أمر النساء خصوصاً وهذا من جملة ما تضمنه قوله:(فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) فلا ضرر إذاً يلحقه فيما لحقه من السحر على نبوته وشريعته والحمد لله على ذلك] شرح السنة ١٢/ ١٨٧ - ١٨٨.
وبهذه النقول عن هؤلاء العلماء الأعلام يظهر لنا جلياً أنه لا يجوز أن تكذب الأحاديث الصحيحة بمجرد فهم سيء فهمه من فهمه.
وإني لأعجب من هذا الشيخ إذ يردّ حديثاً في الصحيحين ويستدل على ذلك بحديث مكذوب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو:[ما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله فإن وافقه فخذوه وإلا فاضربوا به عرض الحائط].
قال الحافظ ابن عبد البر:[قال عبد الرحمن بن مهدي: الزنادقة والخوارج وضعوا ذلك الحديث يعني ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (ما أتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله فإن وافق كتاب الله فأنا قلته وإن خالف كتاب الله فأنا لم أقله وإنما أنا موافق كتاب الله وبه هداني].