للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك لا يمنع أن يكون ثمة أسباب تجري عليها العادة إلى أن يشاء الله تعالى خرقها. ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - عند اشتداد هبوب الريح يتغير ويدخل ويخرج خشية أن تكون كريح عاد وإن كان هبوب الريح موجوداً في العادة.

والمقصود بهذا الكلام: أن يعلم أن ما ذكره أهل الحساب من سبب الكسوف لا ينافي كون ذلك مخوفاً لعباد الله تعالى. وإنما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الكلام لأن الكسوف كان عند موت ابنه إبراهيم. فقيل: إنها إنما كسفت لموت إبراهيم. فرد النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك] إحكام الأحكام ١/ ٣٤٩ - ٣٥٠.

على أن في ظاهرة الكسوف أمراً يتنبه له المؤمن ويلتفت إليه إذا كان غيره لا يلتفت إليه وهو التذكير بقيام الساعة وانتهاء هذا العالم فإن مما ثبت بطريق الوحي اليقيني أن هذا الكون سيأتي عليه يوم ينفرط فيه عقده وينتثر نظامه فإذا سماؤه قد انفطرت وكواكبه قد انتثرت وشمسه قد كورت وجباله قد سيرت وأرضه قد زلزلت زلزالها وأخرجت أثقالها وآذن ذلك كله بتبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبروز الخلق لله الواحد القهار.

إن الشمس والقمر ليسا أبديين ككل شيء في هذا العالم إنهما يجريان كما قال الله خالقهما إلى أجل مسمى، نعم مسمى معلوم عند الله خفي مجهول عند الناس ولكن المؤمن يوقن به ولا يغفل عنه فإذا شاهد ظاهرة كالكسوف والخسوف انتقل قلبه من اليوم إلى الغد ومن الحاضر إلى المستقبل وخصوصاً إذا تذكر قول الله تعالى: (وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) ولعل هذا سر ما جاء في رواية بعض الصحابة في حديث الكسوف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام فزعاً يخشى أن تكون الساعة - مع أن للساعة مقدمات وعلامات وأشراط كثيرة اخبر عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - بنفسه ولم تقع بعد - ولهذا استشكل بعض العلماء هذه الرواية ولكن يمكن حملها على أنه - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك تعليماً لأمته وإرشاداً لها لتكون على ذكر من أمر الساعة على كل حال ولا سيما إذا تأخر الزمان وظهرت معظم الأشراط والأمارات. فتاوى معاصرة ١/ ٢٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>