قال الإمام النووي: [ومن حج ثم ارتد ثم أسلم لم يلزمه الحج بل يجزئه حجته السابقة عندنا وقال أبو حنيفة وآخرون يلزمه الحج ومبنى الخلاف على أن الردة متى تحبط العمل؟ فعندهم تحبطه في الحال سواء أسلم بعدها أم لا فيصير كمن لم يحج. وعندنا لا تحبطه إلا إذا اتصلت بالموت لقوله تعالى:(وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ)] المجموع ٧/ ٩.
وقال الإمام النووي أيضاً: [إذا صلى المسلم ثم ارتد ثم أسلم ووقت تلك الصلاة باق لم يجب إعادتها وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد في رواية عنه يجب والمسألة مبنية على أصل سبق وهو أن عندنا لا تبطل الأعمال بالردة إلا أن تتصل بالموت وعندهم يبطل بنفس الارتداد احتجوا بقول الله تعالى: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) واحتج أصحابنا بقول الله تعالى: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ) فعلق الحبوط بشرطين الردة والموت عليها والمعلق بشرطين لا يثبت بأحدهما والآية التي احتجوا بها مطلقة وهذه مقيدة فيحمل المطلق على المقيد، قال الشافعي والأصحاب يلزم المرتد إذا أسلم أن يقضي كل ما فاته في الردة أو قبلها وهو مخاطب في حال الردة بجميع ما يخاطب به المسلم وإذا أسلم لا يلزمه إعادة ما كان فعله قبل الردة من حج وصلاة وغيرهما والله أعلم] المجموع ٣/ ٥.
وقال الإمام ابن العربي المالكي: [اختلف العلماء رحمة الله عليهم في المرتد هل يحبط عمله نفس الردة أم لا يحبط إلا على الموافاة على الكفر؟ فقال الشافعي: لا يحبط له عمل إلا بالموافاة كافراً وقال مالك يحبط بنفس الردة ويظهر الخلاف في المسلم إذا حج ثم ارتد ثم أسلم فقال مالك: يلزمه الحج لأن الأول قد حبط بالردة. وقال الشافعي: لا إعادة عليه لأن عمله باق، واستظهر عليه علماؤنا بقول الله تعالى:(لَئِنْ أَشْرَكْتَ ليَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) وقالوا: هو خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - والمراد به أمته