لأنه - صلى الله عليه وسلم - يستحيل منه الردة شرعاً، وقال أصحاب الشافعي: بل هو خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - على طريق التغليظ على الأمة وبيان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - على شرف منزلته لو أشرك لحبط عمله فكيف أنتم؟ لكنه لا يشرك لفضل مرتبته، كما قال الله تعالى:
(يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ) وذلك لشرف منزلتهن وإلا فلا يتصور إتيان فاحشة منهن صيانة لصاحبهن المكرم المعظم، قال ابن عباس حين قرأ:(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا) والله ما بغت امرأة نبي قط ولكنهما كفرتا. وقال علماؤنا: إنما ذكر الموافاة شرطاً هاهنا لأنه علق عليها الخلود في النار جزاءً فمن وافى كافراً خلّده الله في النار بهذه الآية ومن أشرك حبط عمله بالآية الأخرى، فهما آيتان مفيدتان لمعنيين مختلفين وحكمين متغايرين وما خوطب به النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو لأمته حتى يثبت اختصاصه به وما ورد في أزواجه - صلى الله عليه وسلم -فإنما قيل ذلك فيهن ليبين أنه لو تصور لكان هتكاً لحرمة الدين وحرمة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكل هتك حرمة عقاب وينزل ذلك منزلة من عصى في شهر حرام أو في البلد الحرام أو في المسجد الحرام فإن العذاب يضاعف عليه بعدد ما هتك من الحرمات والله الواقي لا رب غيره] أحكام القرآن ١/ ١٤٧ - ١٤٨، وانظر تفسير القرطبي ٣/ ٤٨ - ٤٩.
وقال الألوسي: [واستدل الشافعي بالآية على أن الردة لا تحبط الأعمال حتى يموت عليها وذلك بناءً على أنها لو أحبطت مطلقاً لما كان للتقييد بقوله سبحانه: (فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ) فائدة والقول بأن فائدته أن إحباط جميع الأعمال حتى لا يكون له عمل أصلاً موقوف على الموت على الكفر حتى لو مات مؤمناً لا يحبط إيمانه ولا عمل يقارنه وذلك لا ينافي إحباط الأعمال السابقة على الارتداد بمجرد الارتداد مما لا معنى له لأن المراد من الأعمال في الآية الأعمال السابقة على الارتداد إذ لا معنى لحبوط ما لم يفعل فحينئذ لا يتأتى هذا القول كما لا يخفى وقيل بناءً على أنه جعل الموت عليها شرطاً في الإحباط وعند انتفاء الشرط ينتفي المشروط