للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وما أحسن ما قال الشاعر الحكيم:

وما هذه الأيام إلا مراحل ... يحثُّ بها داعٍ إلى الموت قاصداً

وأعجب شيء لو تأملت أنها ... منازل تطوع والمسافر قاعد (١)

وقال آخر:

أيا ويح نفسي من نهار يقودها ... إلى عسكر الموت وليلٍ يذودُها (٢)

٢ – ذكر القبر والبلى؛ لحديث هانئ مولى عثمان - رضي الله عنه - قال: كان عثمان إذا وقف على قبرٍ بكى حتى يَبُلَّ لحيته، فقيل له: تُذكرُ الجنة والنارُ فلا تبكي وتبكي من هذا؟ فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينجُ منه فما بعده أشدُّ منه)) قال: وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما رأيت منظراً قطُّ إلا والقبرُ أفظعُ (٣) منه)) (٤).

والقبر أقرب شيء للإنسان، وشدته أمارة للشدائد كلها، وهو أشد وأشنع المناظر في الدنيا، وحيث خُصَّ بمناظر الدنيا اندفع ما يتوهم أن هذا ينافي قوله: ((فما بعده أشدُّ منه)) على أنه يمكن الجواب إذا عمم بأنه أفظع من جهة الوحشة، والوحدة، وغيره أشد عذاباً منه فلا إشكال (٥).


(١) ذكره ابن رجب في جامع العلوم والحكم، ٢/ ٣٨٣، وذكره أيضاً ابن القيم في مدارج السالكين، ٣/ ٢٠١.
(٢) ذكره ابن رجب في جامع العلوم والحكم، ٢/ ٣٨٣.
(٣) أفظع: أي أشدُّ وأشنع. شرح السندي على سنن ابن ماجه، ٤/ ٥٠٠.
(٤) الترمذي، كتاب الزهد، باب: حدثنا هناد، برقم ٢٣٠٨، وابن ماجه، واللفظ له، كتاب الزهد، باب ذكر القبر والبلى، برقم ٤٢٦٧، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، ٢/ ٥٢٧ وغيره.
(٥) انظر: شرح السندي على سنن ابن ماجه، ٤/ ٥٠٠.

<<  <   >  >>