وكانت تشتكي عينيها فتكتحل بالجلاء، - قال أحمد (أحد الرواة) الصواب: بكحل الجلاء – فأرسلت مولاة لها إلى أم سلمة فسألتها عن كحل الجلاء؟ فقالت: لا تكتحلي به إلا من أمر لابد منه يشتدُّ عليك: فتكتحلين بالليل وتمسحينه بالنهار، ثم قالت عند ذلك أم سلمة: دخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين توفي أبو سلمة وقد جعلت على عيني صبراً فقال:((ما هذا يا أم سلمة؟)) فقلت: إنما هو صبر يا رسول الله، ليس فيه طيب، قال:((إنه يشب الوجه فلا تجعليه إلا بالليل وتنزعيه بالنهار، ولا تمتشطي بالطيب، ولا بالحناء؛ فإنه خضاب))، قالت: قلت: بأي شيء أمتشط يا رسول الله؟ قال:((بالسدر تغلفين به رأسك)) (١). وقد بين الإمام ابن عبد البر رحمه الله وتبعه الإمام ابن القيم: أن هذا الحديث ثابت، والجمع بينه وبين الحديث الآخر لأم سلمة وفيه:((قوله: ((لا)) ثلاثاً لمن استأذنته في الكحل: أن الشكاة التي قال فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - ((لا)) لم تبلغ والله أعلم منها مبلغاً لابد لها فيه من الكحل فلذلك نهاها، ولو كانت محتاجة مضطرة تخاف ذهاب بصرها لأباح لها ذلك كما فعل بالتي قال لها:((اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار))، والنظر يشهد لهذا التأويل؛ لأن الضرورات تنقل المحظورات إلى حال المباح في الأصول؛ ولهذا جعل مالك فتوى أم سلمة رضي الله عنها تفسيراً للحديث المسند في الكحل؛ لأن أم سلمة رضي الله عنها روته
(١) أبو داود، كتاب الطلاق، باب في المتوفى عنها زوجها، برقم ٢٣٠٥، والنسائي، كتاب: الخضاب للحادة، برقم ٣٥٣٧، والحديث صححه ابن عبد البر في التمهيد، ١٧/ ٣١٨، وحسنه ابن القيم في زاد المعاد، ٥/ ٧٠٣، والحافظ ابن حجر في بلوغ المرام، وضعفه بعض أهل العلم ومنهم العلامة الألباني.