وغير ذلك. فقال لهم اهل العلم: قبل كل شيء قد عرفنا من/ دعوة هذا الرجل وقصده قبل المعرفة بنبوته أن ما يكون في غد لا يعلمه ملك معرّب ولا نبيّ مرسل، ولا يعلمه إلا الواحد المنفرد بالقدم، فلا وجه للتعليق عليه بظواهر الألفاظ وبالتأويل، هذا لا يفعله عاقل ولا يذهب الغلط فيه على محصّل، وإنما يخادع بهذا اهل الغافلة.
وكذا قالوا الباطنية ومن سلك سبيلهم: في ان باطن الصلوات أشخاص وكذا العبادات، وان لكل ظاهر باطنا، غير ما عليه الفقهاء والعامة.
فقالوا لهم: ادّعيتم أنكم من المسلمين وقد علمنا من دعوة هذا النبي صلّى الله عليه وسلم قبل العلم بنبوته ان ما حرّمه من الزنى واللّواط والربا والخمر والخنزير والامهات والبنات والأخوات وغير ذلك محرم على كل عاقل بلغته دعوته كائنا من كان، وانه على ما عليه الفقهاء والعامة، وانه لا تأويل لذلك ولا باطن، وأن جميع ما اوجبه من الطهارات والصلوات والصيام والعبادات لا تسقط عن عاقل كائنا من كان على ما عليه الفقهاء والعامة لا تأويل لذلك ولا باطن، وان من قال: لهذه الأشياء باطن او تأويل، فقد كفر وأشرك وخرج من الاسلام خروجا ظاهرا.
ولا حاجة بنا الى ان نبيّن لكم تأويل الآيات التي سألتم عنها، فقد علمنا من قصده صلّى الله عليه وسلم ان مراده في ذلك غير مرادكم، وقصده غير قصدكم. مثل هذا قالوا لمن قال من هشام بن الحكم «١» واتباعه حين قالوا: إن الله لا يعلم ما يكون قبل ان يكون، لأنه قال: «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ
(١) هشام بن الحكم (١٩٠ هـ) كان شيخ الامامية في عصره، ولد بالكوفة وسكن بغداد وانقطع الى يحيى بن خالد البرمكي. له مؤلفات كثيرة. انظر: منهج المقال ٣٥٩، لسان الميزان ٦: ١٩٤.