دين محمد، فلا تجره. فقال لهم: إنه رجل يكسب المعدم ويصل الرحم ويقري الضعيف، فكرهت أن يخرج من بينكم ويهرب بدينه عنكم فتعدمون هذا/ الفضل. قالوا: فيلزم بيته ولا يعلن دينه؛ فمنعوه من ذكر الله في مسجده.
فبشر الله نبيه عليه السلام وأصحابه بالظهور على هذه المساجد، وملكهم لها ولمن فيها، وأنهم لا يدخلونها إلا أذلاء خائفين مقهورين، أو بأمان وعهد وإذن من رسول الله صلّى الله عليه وسلم أو من أصحابه. ثم أخبر بخزيهم في الدنيا وعقوبتهم من منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، فنزل بهم ذلك الخزي بقتل من قاتل منهم وعليهم، والذل بأداء الجزية لمن رغب في الإقامة فيما غلب عليه الصحابة، فكان كل ذلك كما أخبر، وفي هذا غيوب كثيرة.
وقد كانت ممالك الروم وغيرهم قوية ممتنعة فوفى الله لنبيه بتصديق هذه المواعيد، وبفتح هذه الأمصار، وبنزول الخزي على مشركي العرب في الدنيا وسينالهم في الدار الآخرة عذاب عظيم كما قال، وكما صدق في الأول صدق في الثاني، فنعوذ بالله من عذابه وسخطه.
وباب آخر [قوله صلّى الله عليه وسلم لعثمان بن أبي طلحة العبدري بأن مفاتيح مكة ستكون له وحصول ذلك]
من هذا الجنس، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو بمكة قبل الهجرة جاء ليدخل الكعبة فدفعه عثمان بن أبي طلحة العبدري ومنعه من دخولها، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلم: لا تفعل يا عثمان فكأنك بمفتاح الكعبة في يدي أضعه حيث شئت فقال له عثمان: لقد ذلت قريش يومئذ وقلّت، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: بل كثرت وعزت.
واعتبر رحمك الله سيرته في المكاتبة والمراسلة فإنه فعل ذلك بجبابرة الأرض وملوك الدنيا من العرب والعجم في أقطار الدنيا، فدعاهم إلى رفض ما هم