للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنما أجرينا هذا من أعلامه صلّى الله عليه وسلم عند ذكر مكاتبته ومراسلته الملوك، والنية ذكر أعلامه التي ليست في القرآن بعد الفراغ مما في القرآن، فإن وهب الله ذلك وإلا ففيما معك فوز عظيم فاحتفظ به وحافظ عليه واطلب ما بعده فإنه أكبر الجهاد وأجل العبادة.

وباب آخر [اخبار الرسول أصحابه أن الله سيمكن لهم في الأرض ويستخلفهم]

من آياته صلّى الله عليه وسلم، وهو ما أخبر أصحابه من أنه يمكّن لهم في الأرض ويستخلفهم كما استخلف الذين من قبلهم، ويؤمن خوفهم، فيخلصون في عبادته وحده لا يشركون/ به شيئا، فقال عز وجل: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ» «١» إلى آخر الآية. وهذه نزلت في غزوة الأحزاب وفي الخندق، وقد تحزبت العرب واليهود عليهم، وغدر من حول المدينة بهم وهم في حومة الموت وشدة الخوف، وما كان بأيديهم إلا المدينة مع من بها من اليهود والمنافقين، فأظهر الله أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم واستخلفهم ومكّن لهم وبدّلهم من بعد خوفهم أمنا، وعبدوه وحده وأطاعوه، وفي هذا غيوب كثيرة لا تكون بالاتفاق ولا لحذاق المنجمين، ولا هو مما يغلب في العقل بل الغالب في العقل والظاهر في الحزم والتدبير أن يكونوا هم المغلوبون المقهورون، إلا أن يكونوا من قبل الله، وأن يكون صاحبهم رسولا لله، والذي يدلك على أن هذا نزل وهم غير متمكنين وأنهم قد كانوا خائفين من قوله عز وجل: «وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً» «٢» فلا يجوز أن يخبرهم بما لم يكونوا عليه ويمتن عليهم بذلك والعدو والولي يسمعه وهو يعلم أنهم يعلمون أنه قد كذبهم ثم يؤكد هذا بأن


(١) النور ٥٥
(٢) النور ٥٥