للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم يقطعونهم عن البحث والنظر بالعهود والايمان المغلظة، ومن دخل بلدانهم وشاهد عساكرهم وتأمل سيرتهم يعرف ذلك من قصدهم، بل من سأل واستبحث يعلم ذلك وإن لم يصر اليهم. وقد صاروا حرما للملحدة والزنادقة والفلاسفة والدهرية وجميع اعداء الاسلام، فمن هاجر اليهم أمن في إلحاده وقال ما شاء كيف شاء، فيا لها مصيبة بذهاب الاسلام وموت اهله وقلة العارفين به وبحقوقه، فان من بقي ممن يظن انه من اهله فمنهم من يشبّه الله بخلقه، ومنهم/ من يجوّره في حكمه وإلى غير ذلك.

وباب آخر [ما اشار إليه من اختلاف النصارى حول المسيح عليه السلام]

وهو ان هذه الطوائف الثلاث من النصارى أشد عالم الله تعظيما للمسيح وتحققا به وحبا له، يدّعون انهم شيعته واتباعه، وانهم اطوع الناس له، وان ما هم عليه عنه اخذوه، وبه اقتدوا فيه، وعلى وصاياه عملوا. وقال صلّى الله عليه وسلم: ان المسيح عبد الله ورسوله أتى الناس بما جاءهم الأنبياء قبله، من آدم ونوح وابراهيم واسماعيل واسحق ويعقوب والأسباط وموسى وهرون وغيرهم من الأنبياء صلوات الله عليهم اجمعين، من الدعاء الى عبادة الله وتوحيده وحده، والاخلاص له وحده بالعبادة والقدم والربوبية؛ وان النصارى قد كذبوا عليه، وبدّلوا دينه، وعطلوا وصاياه، وانهم ضاهوا بقولهم قول الذين كفروا من قبل، الذين اتخذوا المخلوقات آلهة وأربابا ودعوها وتضرعوا لها، كالفلاسفة والصابئين من اهل حرّان «١» ، فانهم


(١) سمى صابئة حران بذلك لأنهم كانوا يسكنون مدينة حران من ارض الجزيرة، وقد عرفوا بعبادة الاجرام السماوية السبعة، وهذه العبادة بقية من الديانة الاشورية والبابلية.