للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الآية نزلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين خرج من مكة يريد المدينة، فكان خروجه منها محزونا لمفارقة وطنه، فبشره الله بالظهور والغلبة، وأعلمه أنه يعود إلى مكة، فكان كما قال وكما أخبر.

وباب آخر [ما في الآية «قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ ... » من تحد دائم لم يستطع أحد الوقوف أمامه]

من آياته، وهو قوله عز وجل: «قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً» «١» ، فما أتوا بمثله مع حاجتهم إليه، فانظر كيف يقطع الشهادة أنهم لا يأتون بمثله، وهذا من التحدي المهيج الذي يغيظ ويغضب، وفي هذا غيوب كثيرة لا يأتي بمثلها حذاق المنجمين ولا يتفق مثلها بالتبخيت ولا بالتخرص «٢» .

فإن قيل: فما تنكرون أن يكونوا قد أتوا بمثله، قيل له: لو أتوا بمثله لجاء ذلك مجيء القرآن، ولكان العلم به كالعلم بالقرآن، ولجاء مجيء أمثاله من الأمور التي كانت بينهم وبينه، وما قاله لهم وقالوه له.

فإن قيل: فإن الغلبة والدولة منعت من إظهار ذلك ونشره ونقله والتحدث به لأنه ظهر وقهر في حياته، وقام أبو بكر بعده فقتل مسيلمة، وردّ الردة، وأسر طليحة، وغزا فارس والروم، وأذل أعداء محمد صلّى الله عليه وسلم في كل مكان، وأسكتهم وأخرصهم «٣» ، وأعز أولياءه وأهل طاعته، وكذا من أتى بعده من


(١) البقرة ١٢٧
(٢) التبخيت من البخت بمعنى الحظ والصدفة
(٣) أخرصهم: أكذبهم، والخراصون: الكذابون اللسان: مادة خرص