قيل له: إنك ما تزيدنا على الدعاوى الخالية من كل حجة، وإذا أثبتنا لك بطلان دعواك الأولى انتقلت إلى دعوى أخرى. فإنك قلت في الأول: أتوا بمثله، فقلنا لك: فأين هو وأين العلم به، فانتقلت فادعيت أن الغلبة والدولة/ منعت من إظهاره ونقله، فدعواك الثانية كالأولى.
على أن دليلنا هذا قد دلّ على أنهم ما أتوا بمثله، ولا بما يقاربه، ولا بما يدانيه، ما هناك شيء ينقل ولا يذكر ولا يكتم ولا يستر، ولا فرق بين من ادّعى هذا أو ادعى أن مائة ألف قد أتوا بمثله، وإنما الدولة قهرتهم ومنعتهم من إظهار ما أتوا به.
على أن الدول والممالك لا تأتي ولا نغطّي على الأمور التي قد كانت ووقعت، ولا يطمع عاقل في كتمان ما هذا سبيله وإن ضره ظهوره، وساءه انتشاره، وأسقط من قدره. ألا ترى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم لما ادّعى النبوة، وأكفر الأمم وفرض مجاهدتهم، وأباح دماءهم وأموالهم وحريمهم، قد ساءهم ذلك وضرهم، وأسقط من أقدارهم، وذهب برئاستهم؛ وقد ودوا أن ذلك لم يكن، فما كتموه، ولا طمعوا في طيّه وتزميله، بل هم تحدثوا بذلك لكل أحد، ونقلوه وعرفوه، وأدوه إلى من لا يسمعه، لأنه صلّى الله عليه وسلم لم يكن حين ادعى ذلك ودعا اليه له أتباع يخالدون ذلك ويدونونه وينقلونه، وإنما كان يفعل ذلك عدوه.
وتأمل ذلك بالشعر الذي هجي به، ومن هجاه من الشعراء، وما كان له معه من ضربه وسبّه وأذيته، ومن قتلوا من أعمامه ومن أصحابه، ومن