يغلبوه إن قاتلوه ولا يولون الأدبار، فقاتلوه صلّى الله عليه وسلم يوم قينقاع فنزلوا على حكمة، وقاتلوه يوم بني النضير فأجلاهم عن بلادهم، وقاتلوه يوم بني قريظة فولوا الأدبار فنزلوا على حكم سعد بن معاذ، وقاتلوه يوم خيبر فهزمهم وملكهم وأخذ عنوة خيبر بالسيف فرضوا به أن يقرهم على أن يكونوا حرثة يعملون له في النخل.
فتأمل هذا الشرح وهذا التفصيل في هذه الأخبار، فإن مثلها لا يقع اتفاقا ولا من حذاق المنجمين ولا الكهنة، وانظر كيف أخبرهم بها قبل وقوعها، وأنذرهم بما يكون قبل أن يكون، وجعلهم على أهبة، بخلاف تدبير البشر.
وقد كانوا جماعات كثيرة لهم خيول وسلاح وحصون ويمتنعون ويقاتلون من ناوأهم وأرادهم وقصدهم، لتعلم أن هذا من أخبار علّام الغيوب، وهذا من الدلائل الواضحة والأعلام البينة النيرة لأن السيف إذا لقي السيف دبّ الحياء، ولا يأمن من ليس على يقين مما يخبر به أن يقع الأمر بخلاف ما خبر ولا يحمل أحد نفسه على هذا من غير يقين إلا الغاية في الحمق والجهل والنقص.
وباب آخر [ما أرجف به المشركون بعد هزيمة المسلمين في أحد]
من آياته صلّى الله عليه وسلم، وهو أنه لما كانت وقعة بدر، وصدقت أخباره وتحققت مواعيده، ماج أعداؤه من اليهود وغيرهم، وقال بعضهم لبعض: ما أخلف محمد في شيء أصحابه، وإنه لنبيّ، وستؤول الأمور إلى ما يقول، وسيظهر على الناس وتكون الدولة له. فلما كان يوم أحد وقتل من أصحابه من قتل اشتدت قلوبهم ورجعوا على إخوانهم الذين قالوا لهم ما قد تقدم، وقالوا لهم:
أبشروا بما كان عليه يوم أحد، فأنزل الله عز وجل/ «قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ، «١» » ثم أذكرهم بالآيات التي