للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وباب آخر [حول الآية «الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ» ]

من أعلامه صلّى الله عليه وسلم، من ذلك قوله عز وجل: «الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ» «١» .

فخبر بإنفاقهم قبل أن ينفقوا، وبقتالهم قبل أن يقاتلوا، وبهزيمتهم قبل أن يهزموا، ثم كان ذلك كما قال وكما أخبر وكما فصل، وأورد ذلك موردا يغيظ ويغضب ويبعث على تكذيبه وعلى الممانعة من وقوع ما أخبر به، بخلاف تدبير البشر، فإن الحكماء يتواصون بكتمان ما يدبرونه ويعزمون عليه ويقولون:

من فساد الأمر والتدبير إعلانه قبل الفراغ منه، ثم لا يرضى أن يجعل ذلك خبرا عن نفسه بل يجعله خبرا عن ربه.

وباب آخر [إخباره عن اليهود]

من آياته وعجيب أعلامه، وهو إخباره عن اليهود فقال: «مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ. ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا» «١» .

فخبر أن أقلّهم يؤمن ولو لم يكن على بينة من أمره وثقة عن خبر ربه عز وجل وما يوحيه اليه، لم يكن ليقول هذا وهو لا يأمن أن يتبعه أكثرهم ويؤمنون ويدخلون في دينه. ثم قال: «لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً» ولو لم يكن على يقين لم يقل: «وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ» وهو لا يأمن أن أن يتجاوزوا الأذى إلى أخد المال أو إلى سبي/ الذرية وإلى قتل الأنفس، وأن


(١) آل عمران ١١١