للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وباب آخر [حول موقف اليهود والنصارى وعبد الله بن أبي سلول]

من آياته وهو أنه صلّى الله عليه وسلم لما نزل بالمدينة ودعا إلى ربه وبها وحولها من اليهود وخلق كثير، فدعاهم ووعظهم وبين لهم، فرجع الرؤساء والأتباع وتواصوا بالانحراف عنه وبالصدّ وبالقصد له، وكان عددهم كثيرا وشوكتهم شديدة، فمشوا في الأوس والخزرج في الصدّ عنه، ومالوا إلى عبد الله بن أبي سلول، وكان الأوس والخزرج على أن يملكوه عليهم إلى أن جاء الإسلام فانتقض ما عزموا عليه. وكانت اليهود تدّعي أنها على بصيرة/ من أمرها، وأن الجنة لها، وأن نعيم الجنة خالص لها، فأخبر الله نبيّه أنهم ليسوا من أمرهم على يقين كما يدعون، وأن رهبتهم لكم شديدة، وأنك إن دعوتهم إلى تمني الموت لا يتمنونه، فقال: «قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» . ثم قال: «وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ «١» أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ. وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ» «٢» إلى آخر القصة. ثم أعاد هذا التقريع والتوبيخ في سورة أخرى وفي زمان آخر فقال: «قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» . ثم قال: «وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ» «٣» . فما تمنوه أبدا مع هذا الاقتضاء والمطالبة التي تغيظ وتغضب، ومع شدة عداوتهم لرسول الله صلّى الله عليه وسلم وحرصهم على تكذيبه وفضيحته وزلة تكون منه، وقد بذلوا في ذلك دماءهم وأموالهم وأولادهم وحاربوه


(١) في الأصل: فلن يتمنونه
(٢) البقرة ٩٤- ٩٥
(٣) الجمعة ٦- ٧