وأعانوا عدوه عليه، وتكلفوا كل شدة وكل مشقة في ذلك وما أقدموا على تمني الموت مع سهولته وقربه، وهو أن يقولوا: ليتنا متنا. وهذه الآيات العظام والأعلام الكبار الهائلة الواضحة المكشوفة الباهرة القاهرة التي ما فكر فيها عاقل إلا ملأت قلبه علما بنبوته صلّى الله عليه وسلم وصدقه، وبهرت عقله، فإنك ما تدري أمن إقدامه صلّى الله عليه وسلم على الإخبار عنهم بأنهم لا يتمنون ذلك مع خفته وسهولته ومع علمه بشدة حرصهم على تكذيبه وفضيحته تعجب، أم من إحجامهم عن ذلك مع شدة حاجتهم اليه. ولم يقل هذا من عندي ولا من مولى/ بل هذا من قول الله ربي وربكم وإلهي وإلهكم والعالم بسركم وجهركم، فجعله كتابا يقرأ وقرآنا يتلى، ليكون أشد وأغيظ وأبلغ في الحجة وأظهر في التنبيه، ولتعلم أنه ما قال هذا لهم إلا وهو عالم أنهم لا يتمنونه. وهو أعجب من قوله للعرب أنكم لا تأتون بمثل هذا القرآن، وهذا مقام لا يقومه مثله مع عقله وعظم دعاويه إلا مع اليقين، لتعلم ثقته بربه جل وعز وسكونه إلى ما يوحى اليه.
وقد تحيرت الملحدة وأعداء رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وتاهت عقولهم عند هذه الآيات، فهم يلعنون العرب لم لم يأتوا بمثل هذا القرآن، وكون اليهود لم لم يتمنوا الموت فيكذبونه فيستريحون ونستريح. وهذا يقوله مثل الحدّاد وصاحبه أبي عيسى قبحهم الله.
فمرة يقولون: كانوا جهالا بلها فقيل لهم ما قد تقدم ذكره من أن من رمى أعداء رسول الله صلّى الله عليه وسلم من قريش واليهود والنصارى بالجهل والغباء فهو كمن رماه صلّى الله عليه وسلم بذلك. ومرة يقولون: قد كانوا عقلاء وفطناء ولم يكونوا أهل جدل ونظر فيعرفوا مثل هذا، قلنا: لو كانوا مثلكم في النظر والجدل لعميت قلوبهم كما عميت قلوبكم. وبعد فما حاجتهم إلى جدلكم ونظركم ليعرفوا ما دعاهم اليه صلّى الله عليه وسلم وهم بهذا أعلم الناس، وهو شيء يعرفه الرجال والنساء