باب آخر [اكفار الرسول صلّى الله عليه وسلم للعرب وسائر الامم الاخرى واسخاطها وكيف عصمه الله من اذاهم]
قد علمت الحال التي ابداها رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين ادعى النبوة ودعا الى الله، فانه اكفر الامم كلها وتبرأ منها واسقطها واسخطها واغضبها، فما اعتصم بمخلوق كما قد تقدم ذكر ذلك. فكانت العرب واليهود والنصارى وقريش وغيرهم يدا واحدة في عداوته وطلب عثراته والحرص على قتله، وهو بينهم على وحدته، فيصرفهم الله عن ذلك بوجوه لا هو يعرفها ولا هم، وبوجوه يعرفها ويعرفونها. غير انهم قد كانوا ينالونه بالشتم والضرب ويلقونه بالأرض ويدوسونه بأقدامهم ويلقون الفرث والتراب على رأسه، ثم صار الواحد بعد الواحد والنفر بعد النفر يجيبونه وهذه حاله، فيلقون معه الضرب والهوان، ويعذبون ويجاعون ويحصرون في الشعاب، ومنهم من يقتل، ولا يمكنهم المقام معه بمكة فيهربون بأديانهم، ويعبرون البحار، والنبي صلّى الله عليه وسلم مقيم بمكة معه ابو بكر ونفر يسير.
وكان يخرج في المواسم الى العرب، ويتلو القرآن، ويدعو الى الله، ويقيم الحجة، وقريش من اهل بيته يخرجون الى العرب يقولون لهم: لا تسمعوا منه فانه ساحر كذاب ونحن اهل بيته وأعرف به، ويقولون:«لا تسمعوا لهذا القرآن والغوافيه لعلكم تغلبون» ويمنعونه صلّى الله عليه وسلم/ من البيان والاستيفاء، وربما شغلوه بالضرب، يتولى ذلك منه عمه ابو لهب وأشباهه، فيقول له العرب:
اهلك اعلم بك، ما نجيبك، فاذهب عنا فقد عاديتنا وخالفتنا واسمعتنا في آلهتنا وآبائنا وأنفسنا ما لا نحب، وتستجيب له القبيلة بعد القبيلة من قبائل طيء وقبائل اسلم. وتسامعت به قبائل عبد القيس من ربيعة فأتوه وسمعوا