من آياته صلّى الله عليه وسلم/ وهو ما كان ببدر فإنه يوم كانت فيه آيات كثيرة وأظهر الله عز وجل لنبيّه أعلاما عظيمة، وكان للمشركين من قريش عير قد أقبلت فيها أموال وبزّ وأمتعة فاخرة، وخرجت قريش وقد خافت عليها المسلمين في نحو ألف فارس معدين ومستعدين ليحموها، ووعد الله المسلمين إحدى الطائفتين أن يظفرهم بهم ويغنمهم إياهم، وودّ المسلمون أن تكون هذه الطائفة غير ذات الشوكة لقلة المسلمين وضعفهم وكثرة المشركين وقوتهم، وكان المسلمون في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا يعتقب العدة منهم البعير الواحد، ولا فرس معهم يومئذ إلا فرس المقداد وفرس الزبير، وقد سبقهم العدو إلى الماء، واحتوى على الشعاب، واستظهروا على المسلمين بالماء والمكان، فوافى المسلمون في ضعفهم وقلتهم، فحصلوا على المضايق والخروق من الأرض، ولا ماء لهم، فأنزل الله عليهم الماء فشربوا وسقوا ركابهم وتطهروا، وتوطت الأرض لهم ما كان منها رملا حتى ثبتت أقدامهم عليها، وعند الحرب ألقى عليهم النعاس في الوقت الذي لا يكون فيه نعاس ويطير النوم للخوف على النفوس، فطيب قلوبهم وطير خوفهم، وشجع جبنهم، وأرسل إليهم ملائكته فثبتتهم وبشرتهم، وأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلم كفا من تراب وفيه حصيات فرمى به في وجوههم وقال:
شاهت الوجوه، حم، لا ينصروا، فتفرق الحصى في عسكر المشركين وبلغ إلى خلق كثير بخلاف ما جرت به العادة. وقد ورد القرآن بذلك وتفصيله ورودا يشهد عقل كل عاقل ومتأمل ومعتبر ومتفكر أن ذلك قد كان ووقع في قوله في سورة الأنفال إلى قوله: «كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ