للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي هذا المعنى قوله عز وجل «أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى» «١» فتأمل ما في هذا، فإنه صلّى الله عليه وسلم ما عرف العزّ بالأبوين كما يعرف من رباه أبواه؛ فان أباه مات وهو حمل، وماتت أمه وهو رضيع، فاواه الله اكرم إيواء، فلما كمل، آتاه النبوة وعصمه وصانه، وأخبره ان الآخرة خير له من الأولى، فإنّ آخر أمره في عاجل الدنيا في النصرة والعزّ، وثواب الآخرة خير من الأولى؛ «وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى» ، أي ذاهبا عن النبوة لا تدري ما هي ولا تعرف القرآن.

وفي مثل هذا المعنى قوله عز وجل: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ.

وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ. الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ. وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ) فإن ذكره ارتفع بالصدق والوفاء وقيام الحجة، فما وجد له اعداؤه كذبة ولا ذلة ولا هفوة مع حرصهم على ذلك، وما بارت له حجة، ولا زلّت له قدم، ولا أسكته خصم، مع كثرة الخصوم له، وطلب العلل وطول المجادلة.

باب آخر [من اعلامه قوله عز وجل «قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ» ]

من أعلامه، وهو قوله عز وجل «قُلْ: لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً» «٢» وفي هذا إخبار عن غيوب كثيرة، لأنه قال لكل واحد من الإنس والجن:

إنك لا تأتي بمثل هذا القرآن ولا أحد يأتي بمثله في كل حال منفردين ولا مجتمعين، فما أتوا به مع حاجتهم الى ذلك وشدة حرصهم عليه، أفمن هذا تعجب؟ أم من إقدامه على الإخبار بذلك وهو لا يعرف العرب كلها ولا


(١) الضحى ٦
(٢) الاسراء ٨٨