وقائع المسلمين مع النصارى أكثر، وكان بأس النصارى أشد، وعددهم أكثر، ومدة محاربتهم أطول، فكانت العقبى للمسلمين.
وباب آخر [اخباره تعالى عن المرتدين وأنه سيأتي بقوم يحبهم ويحبونه يجاهدون في سبيله]
من آياته صلّى الله عليه وسلم ودلائل نبوته، وهو قوله عز وجل:«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ» .
فأخبرهم أن من ارتد منهم عن دينه أتى الله بمن يغلبه ويقهره، فلما قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلم ارتدّت/ القبائل الكبيرة من العرب عامة وخاصة على وجوه من الردة كما قد تقدم شرح ذلك، فشمر أبو بكر الصديق لحربهم، وأرسل المهاجرين والأنصار على قتالهم، وقاموا على ساق، فقهروهم وأذلوهم وغلبوهم وظهرت كلمة الإسلام فكان العز للمسلمين، وهذا من الآيات العظام، فانظر كيف قال عز وجل لهم بالمواجهة:«مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ»«١» ولم يقل: من يرتد عن دينه، فكانت عدة تحتمل التسويف بل قال:«مِنْكُمْ» .
وفي هذا غيوب كثيرة، فإن القبائل التي ارتدت تلك الأنواع من الردة كانت كثيرة ولها بأس وشدة كما قد تقدم ذكر ذلك، وفي هذا أيضا تأييد لإمامة أبي بكر الصديق، وأنها حق وهدى وصواب ورشاد ودين لله، وقد وصفه الله ومن معه بأنهم يحبون الله وأن الله يحبهم، وأنهم يخضعون ويذلون للمؤمنين وأنهم يستعلون ويشتدون على الكافرين، وأنهم يجاهدون في سبيل الله