أخبروني عنكم معشر الأنصار، ألم تكونوا ضلّالا فهداكم الله بي؟ قالوا بلى، قال: ألم تكونوا أعداء فألف الله بين قلوبكم بي؟ قالوا: بلى، قال:
فما مقالة بلغتني عن بعضكم؟ وأعاد عليهم القول، فقالوا: يا رسول الله أيما كان، هذا من بعض أحداثنا، فأما نحن فراضون. فقال صلّى الله عليه وسلم: هذا مال تألفت به قلوب هؤلاء الذين عهدهم بالإسلام حديث، وببصائرهم ضعف، أما ترضون أن يرجع الناس بالشاة والبعير وترجعون برسول الله إلى رجالكم؟
قالوا: بلى، رضينا؛ وبكوا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: لو شئتم أن تقولوا أتيتنا طريدا فاويناك، ومخذولا فنصرناك، لقلتم، فزاد بكاؤهم وخشوعهم، وقالوا: المنّة علينا في ذلك لله ولرسوله.
[سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام في السابقين والبدريين]
وكم قد كان مثل هذا، فتأمل هذا المقال والفعال للفريقين من المؤلفة ومن الأنصار، ففيه العبرة الكبيرة والبصائر النيّرة، وتأمل سيرته صلّى الله عليه وسلم في السابقين والبدريين، لأهل بيته، وفي ولده وأزواجه، كيف حرمهم الدنيا وحماهم منها؟، وكيف ملأ قلوبهم بالوعيد والمخاوف؟، وكيف جعلهم أسوة الناس كلهم في الأحكام والقصاص والحلال والحرام، وفي أن من حازت شهادته من العجم والموالي على الحاكة والحجامين والزيالين، حازت شهادته على القرشيين والهاشميين والسابقين والبدريين، وكيف حرم الصدقات على أهل بيته وأوجبها في أموالهم للناس، وكيف شرع وبيّن أن الخطأ والزلل جائز على كل واحد من أصحابه وأهل بيته وخاصته، ووصى بمراعاة أفعالهم وأقوالهم وأن يذكروا وأن يعلموا وأن يتفقوا حين جعلهم قواما على المسلمين، ووكلاء وخدما، لما علم الله عز وجل أن الأتقياء والأولياء الأذكياء من قريش، أحرص على رشاد المسلمين وصلاحهم من سائر الناس، فقال فيهم: استقيموا لقريش