للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» أي «١» من تولاهم فإنه منهم في الكفر لا من المؤمنين، إن الله لا يهدي القوم الظالمين أي لا ينجيهم من العذاب ولا يوصلهم إلى الثواب. ثم قال على نسق الكلام: «فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ/ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ» ثم قال:

«فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ» «٢» والفتح هو نصر رسول الله صلّى الله عليه وسلم عليهم وغلبته لهم، فوعده بذلك ثم أنجز له ووفى له، وعسى من الله وأحبه. فواقع رسول الله صلّى الله عليه وسلم اليهود وقائع كثيرة فنصره الله عليهم، وندم أولئك المنافقون في إسراعهم فيهم كما قال وكما أخبر. وقال المؤمنون حين رأوا غمّ المنافقين بما نزل باليهود وبما آتاه الله من نصر نبيّه صلّى الله عليه وسلم: «أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ» «٣» .

وفي هذا آيات عظيمة وأخبار بغيوب كثيرة أخبر بها قبل أن تكون على وجه يغيظ ويغضب ويبعث العدو على استفراغ وسعه وبذل مجهوده في تكذيبه وفي إعمال حيله في أن لا يتم ما قال وما أخبر، خلافا «٤» لتدبير عقلاء البشر، فإنهم لا يظهرون لعدوهم وجوه مكايدهم لئلا يسبقوهم إليها، ولئلا يتحرروا منها، لتعلم أن هذا تدبير الله الغالب لكل شيء، الذي لا يغلبه شيء، وأن هذا القرآن كلامه وقوله لا كلام أحد من البشر. وكان ميل أولئك إلى اليهود فأنزل الله هذا في اليهود وفي النصارى، ونصر المسلمين عليهم أجمعين، وكانت


(١) المائدة ٥١
(٢) المائدة ٥٢
(٣) المائدة ٥٣
(٤) في الأصل: خلاف.