للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ادّعى بعده ومعه النبوة، فإن المسلمين قد نقلوا ذلك وخلدوه ودوّنوه وإن غمهم وساءهم. وانظر إلى الكتب التي صنفت في تكذيبه وفي الطعن عليه وعلى إخوانه من الأنبياء، التي صنفت في دولة الإسلام، وأشد ما كان الإسلام شوكة وغلبة، كالتي عملها الحدّاد والورّاق وابن الراوندي والحصري والكندي والرازي وأمثالهم «١» ، وادّعوا أن فيها الحجة والبرهان في إبطال الربوبية وتكذيب الأنبياء. وأنت تراها مبثوثة ظاهرة. تباع في أسواق المسلمين، لا يسقط منها حرف. والمسلمون/ كلهم قد كرهوا ذلك وغمّهم، وودّوا أنه لم يكن، وإنما كان يضعها الواحد بعد الواحد مستخفيا خائفا لا يظهر ادعاءها، ولا يعلن وضعه لها، بل يكتم اسمه ويكنى عن ذكره، وإنما يلقيه إلى الواحد بعد الواحد من أمثاله، كما صنع أبو عيسى بكتبه، وترجمتها تصنيف الغريب المشرقيّ، وهي من الظهور اليوم على ما ترى، حتى إنها لتبلغ مشارق الأرض ومغاربها. فالعدو ينشرها للاحتجاج بها، والمسلمون ينشرونها لنقضها والإجابة عنها. فعلمت أن الدولة والممالك لا تؤثر في العلم بالأمور التي قد كانت ووقعت، وبهذا تعلم أنه ما كان لرسول الله صلّى الله عليه وسلم زلة ولا هفوة ولا سقطة ولا غدرة، ولا زلت له قدم، ولا بارت له حجة، ولا أخجله خصم. يزيدك بذلك علما، أن معاوية وأشباهه من بني أمية قد عادوا أمير المؤمنين وبني هاشم، وغلبوهم، واستولوا على ملك الدنيا، وعظموا نفوسهم بكل ما قدروا عليه، فما أمكنهم أن يجعلوا لمعاوية منزلة لم تكن له وهو سيدهم، ولا أن يجعلوه من البدريين السابقين، ولا من أهل الشجرة، ولا من أهل الشورى،


(١) سبق التعريف بمعظم هؤلاء، وأما الرازي فهو أبو بكر محمد بن زكريا الفيلسوف والطبيب المعروف المتوفى سنة ٣١١ هـ. ابن النديم ١: ٢٩٩ طبقات الأطباء: ١: ٣٠٩