والآن يدعي هذا المدعي في هذا الزمان انه كان قد نهى عن التراويح، فلما صاحوا واعمراه خافهم فتقدم واقامها لهم، فما يجري كلامهم على تحصيل ولكن كما يسنح لهم.
ومما كان ينبغي ان يقدم قبل هذا، ما كان من عهد عمر حين جرحه فيروز النصرانيّ، فإنه ورد على عليّ والمهاجرين والانصار وجميع المسلمين من ذلك ما ذهلت له عقولهم أسفا عليه؛ فانه قد كان دوّخ ملوك الفرس والروم وأذلهم، وغلب على ممالكهم، وألجأهم الى الهرب، وبلغت خيوله افريقية وأوائل خراسان وأوائل الهند، فذلّ الشرك كله به، وغزا الاسلام بمكانه وسلطانه. فخاف المسلمون ان تكرّ ملوك الشرك عليهم بفقده، فاجتمعوا وانفردوا عنه/ مفكرين، وأملوا ان يبتدىء ويستخلف عليهم. فدخل عليه أهل الامصار فقالوا له: أوصنا يا امير المؤمنين، قال: أوصيكم بالقرآن فتمسكوا به، فيه هدى الله نبيّكم وهداكم من بعده، وفيه نجاتكم، قالوا:
أوصنا، قال: أوصيكم بالمهاجرين والانصار وذكر فضلهم، قالوا: أوصنا، قال: أوصيكم بالعرب فإنهم مادة الاسلام، قالوا: اوصنا، قال: اوصيكم بذمتكم فإنهم ذمة نبيكم وقوت عيالكم، قالوا: اوصنا، قال: قوموا عني وإلا قمت عنكم. فلما رآه اصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا يذكر أحدا للخلافة دخلوا عليه، وابتدأ ابن عباس يسأله الاستخلاف؛ وافتتح الكلام، فقال:
قد توليتها حياتي واجتهدت لكم رأيي ونصحت لكم جهدي ومنعت نفسي وأهلي، وأرجو ان انجو منها كفافا لا عليّ ولا لي؛ فأثنوا، وابتدأ علي يبشره عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالجنة، وقال له: وأشار الى ابن عباس يشهد على رسول الله صلّى الله عليه وسلم بمثل ما شهدت، وشيع غيرهما ذلك وسألوه الاستخلاف، فقال: ما أحب ان اتحملها حيا وميا، قالوا: بل تفعل، ولك في ذلك