للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أي تغلب ولا/ تغلب، وقوله: «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ» «١» إلى قوله: «وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ» ، فإنهم قد كانوا بمكة يقاتلون أشد القتال، وكانت محنة المسلمين فيها أغلظ، فإنهم كانوا يضربون ويداسون ويحبسون ويجتمع النفر بعد النفر منهم فيدفعون عن أنفسهم، سيّما حين أسلم عمر، فإنهم عزوا به ونهنه عنهم قليلا، ثم ما أطاقوا المقام. وأمثال هذه من الآيات مما نزل بمكة كثير.

ثم في قوله: «وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ» إكذاب لهم وتضليل لهم، وهو كقول الرجل لخصمه إذا أراد الرفق به لينقاد له ولينظر فيما معه إذا كان مدلا بحجته: أحدنا مبطل وأحدنا ضال هالك، لا يشك عاقل أن هذا تعريض بخصمه.

وكذا قوله: «لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ» هو في هذا القول أشد ما كان في في إقامة الحجة عليهم، فتأمل قوله عز وجل: «فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ» «٢» إلى قوله: «وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ» إلى ما بعد ذلك، وإنما هو كقول الرجل لخصمه إذا ظهرت حجته واتضح قوله وبان بطلان ما أتى به خصمه: ما بعد هذا كلام، وما بعد هذا مقال، وما بيننا حجة. وما يحتاج إلى شاهد ولا دليل.

فمن أبين فضيحة ممن طعن على رسول الله صلّى الله عليه وسلم بمثل هذا بعد أن جمعوا كيدهم واستفرغوا وسعهم، ولكنهم لشدة إفلاسهم وقلة حيلتهم وخيبة


(١) الحج ٣٩
(٢) الشورى ١٥