ومما كانوا يقولونه ويقوله أبو سعيد من خروج المهدي في سنة ثلاثمائة لحقهم الخجل والفضيحة. وكان بنو بسطام، وبنو القاسم بن عبد الله، والعزاقريّ وأمثالهم يستولون على دولة المقتدر بالله «١» ، وكانوا يتشيعون. فراسلوا أولاد أبي سعيد وقالوا لهم: أنتم خرجتم أيام المعتضد والمكتفي، فلما صار الأمر إلى هذا الصبي المقتدر بالله قعدتم، قوموا فنحن كتابه وأصحابه، والدولة لكم، ولا يوحشنكم قتل أبي سعيد وما كان منه، فإن الناس قد تناسوا ذلك.
فقالوا: هذا الرجل علي بن عيسى رجل صالح، وما دام هو الناظر فما نختار مخالفته. فلما قبض السلطان على عليّ بن عيسى، أطلق من ببغداد والكوفة من الشيعة الطيور إلى البحرين بذلك، فغزوا البصرة على غفلة وغدروا بهم أقبح غدرة، ثم غزوا الكوفة، وسرّ بهم الشيعة وقالوا: أبو طاهر بن أبي سعيد وليّ الله وحجة الله وخليفة المهديّ بالبحرين، يخرج عن قرب، وأبو طاهر خليفته، وهو الذي يأخذ الأرض له ويكون ملكه بالبحرين. فبادر من أهل الكوفة وسوادها خلق كثير، وقالوا: نهاجر إلى بلد المهدي قبل ظهوره، فنقلوا أموالهم وعيالهم، ومن منهم ببغداد والكوفة وسوادها يراعون أمر المقتدر، وينقلون أخباره إلى أبي طاهر بن أبي سعيد.
وقد كان حصل لأبي/ طاهر من أموال الحجاج والخراسانية والكوفة والبصرة بيوت كثيرة، وأطمعه الشيعة ببغداد في السلطان، وعرّفوه ضعفه، وأن النجوم تدل على أن أبا طاهر يغلب السلطان، وأنه يدخل بغداد ويستولي على الملك. فتحمل أبو طاهر، وحمل أهله وعياله، وسار يريد بغداد، وقال:
أنا أدخلها وأدخل دار الخلافة على هذا الحمار، وأشار إلى حمار أسود كان
(١) هو جعفر بن المعتضد بن أبي أحمد المتوكل، وهو أخو المكتفي، وقد قتل سنة ٣٢٠ هـ، أما المكتفي فقد توفي سنة ٢٩٥، بينما توفي أبو هما سنة ٢٨٩ هـ.