وخطئهم أكثر من كل كبير، وهو شيء لا يستنكر، وهم يعترفون بهذا فيقولون: لا تعجبوا من خطئنا ولكن اعجبوا من/ صوابنا، وإنما صوابهم كمجنون نطق بحكمة، أو صبي أتى بنادرة، فإن الناس يحفظون ذلك ويعجبون به لأنه أتى من غير معونة، ولا يحفظون ما يكون من المجانين والصبيان من الجهل والكذب، فكذا ما يكون من المنجم، يخطىء في ألف شيء ويكذب في ألف شيء فلا يحفظ عليه لأن ذلك غير منكر منه، فإذا اتفق له الصواب في شيء واحد تعجبوا وحفظ لقلته من مثله ولأنه أتى من غير معدنه. وعلى أن الناس يكذبون المنجمين ويدّعون لهم ما ليس لهم ولا في صنعتهم، ويضايقون الأنبياء ويتعنتوهم، وقد تقدم قبل هذا شيء على المنجمين فارجع اليه.
ثم قال هؤلاء الزنادقة: إنما لم يتمنوا الموت لأنهم لو تمنوه بألسنتهم لقال إنما عنيت أمنية القلوب، فإن قالوا له: قد تمنينا بقلوبنا، قال لهم: قد أخبرني جبريل أنكم لم تفعلوا ذلك.
قيل لهم: قد حصلوا لنا غير متمنين بألسنتهم، وانتقضت العادة وقامت الحجة وظهرت البينة، وحصلتم تعللون ما لم يكن وما لم يقع، وقد كنتم نسبتم اليهود في تركهم التمني إلى البله، والآن فقد نسبتموهم إلى التميز والتحصيل وإلى غاية الذكاء والفطنة، ومن هذه مرتبته كانوا يقولون له: أنت قلت لنا لن نتمنى ذلك أبدا وهاقد تمنيناه وهذا إكذاب لخبرك ظاهر بين.
فرجوعك إلى ما في القلوب هو الانقطاع على أنك قد نفيت التمني منا نفيا عاما لما كان منه باللسان وما كان منه بالقلب، فإذا تمنيناه باللسان فقد أكذبناك وقد أفضحناك وقامت حجتنا عليك، وقولك بعد هذا أن جبريل أخبرك أنا ما تمنيناه بقلوبنا قدح منك لأنا نحن نقول لك: إن جبريل ما أتاك ولا يأتيك فكيف يكون دعواك حجة علينا. فتعلم بهذا/ بطلان كيد الخصوم في توكلهم لليهود