للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحق. فلما قدم النبي صلّى الله عليه وسلم المدينة لقيه أبو عامر فقال: يا محمد إلام تدعو، فقال إلى دين الحنيفية الذي تطلبه بزعمك، فقال له: ما أنت عليه؟ فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم: بلى، ودعاه فأبى، وحسد رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وقال له أبو عامر:

الكاذب منا أماته الله غريبا شريدا طريدا، يعرض برسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم: نعم فعل الله ذلك بالكاذب منا. ثم أقبل أبو عامر على قومه ينهاهم عن اتباع رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعن طاعته ويجتهد، وأعلام رسول الله صلّى الله عليه وسلم وآياته تتزايد وتظهر ويكثر أتباعه من قوم أبي عامر فيزداد غيظا. واتخذ مسجدا يجمع اليه الناس فيحادثهم وينهاهم من اتباع رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ويزعم أنه على الحنيفية، وأن دينه سيظهر ويصير في جماعة وعز، فكان يجتمع اليه قوم من المنافقين، ويجلس اليهم اليهود ويقوون منهم الخلاف على رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثم إنه خرج إلى مكة وبعثهم على غزو النبيّ وحربه، ويقول: أنا معكم وقومي من الأوس معكم، فإذا لقيتم محمدا صرنا إليكم. وكان معهم في وقعة أحد، فلما تنازلوا نادى أبو عامر قومه معاشر الأوس، أنا أبو عامر فقالوا: لا مرحبا بك يا فاسق، وسبّوه ولعنوه، فقال: لقد أصاب قومي بعدي شر. وقد كان خرج إلى مكة من قومه جماعة كثيرة وهم على رأيه في رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وكانوا نحو خمسين رجلا، فقاتلوا المسلمين/ مع قريش قتالا شديدا، ثم صار أبو عامر إلى الروم ولقي قيصر ملك الروم بالشام، فدعاه إلى قتال رسول الله صلّى الله عليه وسلم والمسلمين وحرّضه على ذلك، وهوّن أمرهم عنده بضعفهم وفقرهم وقلة عددهم وكثرة عدوّهم، وخوّفه العواقب إن هو لم يفعل ذلك بما لا يأمنه من قوة الإسلام. ثم إن أبا عامر مات بالشام طريدا غريبا وحيدا كما دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وهذا أيضا من أعلامه في إجابة دعوته.

وقوله: «أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ» دلالة على أن